ثقافة و فنونمجتمع
أجواء الإحتفال بذكرى المولد النبوي بالمغرب – الشيخ الكامل العيساوي وموكب الشموع بسلا
ذ. أحمد براو
من الرباط
يحتفل الشعب المغربي يوم الأحد المقبل بعيد “الميلود” ذكرى عيد المولد النبوي الشريف الذي يصادف يوم 12 ربيع الأول لسنة 1444 الموافق 9 من شتنبر 2022. ويحرص جل المغاربة على إظهار الشعائر والفرح والبهجة مبالغين أحيانا في رفع قدر هذا اليوم من السنة بطقوس تعبدية وروحانية متجذرة في الثقافة والمخيلة والعادات والتقاليد الصوفية التي ينتمي إليها فئة ليست بالقليلة من القبائل والجهات في المملكة، كما تحرص وزارة الأوقاف والمؤسسة الملكية على إقامة ليلة الذكر والأناشيد والأمداح النبوية التي تمجد المولد الشريف والمقام الرفيع لسيد الخلق باعتبار الملك محمد السادس سبط النبي محمد عليه السلام حسب نسبه الشريف، وهو الملك الثالث والعشرون للدولة العلوية الشريفة، التي تولت عرش المملكة المغربية منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي. وتنحدر الأسرة العلوية من السلالة النبوية الشريفة، التي ينتهي نسبها إلى الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وكانت قد استقرت بمدينة سجلماسة، بمنطقة تافيلالت جنوب المغرب.
تشير المعطيات التاريخية إلى أن عادة الإحتفال بهذه المناسبة تعود إلى الدولة الموحدية التي حكمت المغرب لمدة 120 سنة من بداية القرن الثاني عشر إلى القرن الثالث عشر الميلادي بدعوى التصدي للإحتفال بمولد المسيح الذين كانوا يحيونه في الأندلس بحكم أنها كانت مناطق تابعة للدولة الموحدية، وتشير المصادر إلى أن السلطان يعقوب المنصور المريني مؤسس الدولة المرينية هو أول خليفة احتفل بالمولد وأقام حفلا في عاصمته مدينة فاس وأصدر ظهيرا ينص على اعتباره عيدا رسميا وتم تعميم ذلك في ربوع المملكة.
– احتفالات الطريقة العيساوية بمكناس بضريح الشيخ الهادي بنعيسى
حسب دراسة موقع الثقافة الشعبية، فإن الطقوس التي دأب المغاربة على إحيائها تعظيما لمولد الرسول الكريم تقام يوميا بكل المساجد بعد صلاة المغرب دروس في السيرة النبوية وسير الصحابة وفضائل الرسول على المسلمين، ترافق هذه الدروس بأمداح نبوية وتواشيح دينية تستمر هذه العادة إلى ليلة العيد حيث يقام حفل كبير في المسجد الأعظم بكل مدينة برعاية ممثلي سلطات الدولة والمنتخبين والعلماء ورجال الطرق الصوفية وعامة الناس ينطلق الحفل مباشرة بعد صلاة العشاء بترديد آيات قرآنية وأمداح نبوية، ثم يقوم الإمام بإلقاء خطبة قصيرة عبارة عن تذكير بالسيرة النبوية وسيرة الصحابة وفضل الرسول على المسلمين.
يستمر الحفل إلى حين انتهاء الإمام من سرد سيرة الرسول ليعود الحضور للجلوس من جديد، ويُختم الحفل بالدعاء الصالح للجميع ويتم خلال هذا الحفل توزيع التمر والحليب وتطييب الفضاء بالعطور. وتصعد النسوة إلى السطوح ويزغردن.
وعند صلاة الفجر من يوم العيد يقام حفل آخر في جميع المساجد، ينطلق بقراءة الأمداح النبوية إلى غاية الوقت الذي ولد فيه الرسول عليه السلام أي قبل صلاة الفجر ويستمر الحفل إلى ما بعد الفجر.
وفي يوم الاحتفال بالعيد يلبس الناس ثيابا جددا، وفي الإفطار تكون هناك حلويات وعجائن خاصة بالمناسبة، ترافق ذكرى عيد المولد حركة تجارية غير عادية حيث تكثر تجارة لعب الأطفال وكذلك تجارة الحلويات والعجائن والفواكه الجافة. ويطلقون إسم مولود وميلودة والميلودي على الأطفال الذين يتزامن ميلادهم مع أيام المولد النبوي.
وقد دأبت الفرق العيساوية على إحياء موسم شيخها تزامنا مع حلول عيد المولد النبوي، وفي هذا الإطار تتوافد الفرق العيساوية على مدينة مكناس من مختلف مدن المغرب ويقيمون في ضريح أحد رجال الطرق الصوفية ويتعلق الأمر بالشيخ الهادي بن عيسى أو الشيخ الكامل شيخ الطريقة العيساوية والمتوفي سنة 1526م. وعلى مقربة منه في خيامهم، وذلك أياما قبل حلول يوم العيد وهو ما يطلق عليه (بحلال لعلامات) أي أن لكل قبيلة تشارك في الاحتفال علمها الخاص بها وفي يوم العيد ينطلق موكب الفرق العيساوية صوب الضريح على نغمات الطبوع العيساوية والأمداح والزغاريد ويستمر هذا الحفل لمدة ثلاثة أيام.
– موكب الشموع بين مراكش وسلا
يعتبر حفل «موكب الشموع» متجذرا في تاريخ مدينة مراكش والذي يعود الاحتفال به لأول مرة خلال العهد السعدي، ذلك أن السلطان السعدي أحمد المنصور كان قد حضر احتفالات العثمانيين بذكرى المولد النبوي وأعجب باستعراض الشموع الذي كان فقرة من فقرات حفل إحياء الذكرى بإسطنبول.
وبعد توليه عرش الدولة السعدية قام أحمد المنصور بإعطاء أوامره لإقامة موكب للشموع على نفس الطريقة التي شاهدها في إسطنبول حيث تم تطريز وزخرفة الشموع من حجم كبير وأشكال هندسية مثيرة، وكان هذا الموكب يطوف مدينة مراكش إلى أن يصل إلى القصر الملكي، وحسب بعض المصادر كان هذا الموكب يرافقه أهل الحضرة، وفي يوم سابع الميلاد يذهب بتلك الشموع إلى ضريح المهدي بالله والد السلطان.
هذه العادة التي أصبحت من أبرز مظاهر الاحتفال بعيد المولد النبوي لم تقتصر على مراكش حيث وجود الخليفة، بل كان نفس الحفل يقام بمدينة فاس حيث خليفة السلطان وكذلك في بقية المدن المغربية مثل سلا وغيرها.
هذا الحفل يتطلب إعداده اعتمادات مالية مهمة يمول جزء مهم منها من مداخيل الأملاك الحبسية والأوقاف التي وهبها الشيخ عبد الله بن حسون وأحفاده لفائدة هذا الموكب، وحاليا هناك مساهمات أخرى عبارة عن هبات من لدن وزارة الثقافة والأوقاف ومجلس مدينة سلا وتبرعات المحسنين.
وقبل شهر على موعد الاحتفال يتم نقل هياكل الشموع من ضريح سيدي عبد الله بن حسون إلى منزل أحد العائلات السلاوية العريقة التي تتكلف بصناعة الشموع وزخرفتها، وقد كان يضطلع بهذه المهمة كل من عائلة شقرون وعائلة حركات والآن عائلة بلكبير.
إن تقديم الشموع بالشكل الذي تعرض به في الحفل يقتضي المرور عبر ثلاث مراحل أساسية، وهي عملية طهي الشمع الخام ثم إفراغه في قوالب خشبية على شكل منابر مربعة الشكل ثم تنزع من القوالب وتصبح مجسمات وتأتي عملية صباغة الشموع بالألوان المختلفة ثم يتم تثبيت وتلصيق الأشكال المصنوعة على هياكل خشبية مغلفة بالورق الأبيض.
ولسكان مدينة سلا أهمية بالغة لهذا الموكب حيث تقوم فعاليات المجتمع المدني بتنظيف مسار الموكب ودعوة المشاركين وتهييء أنشطة أخرى تقام على هامش الحفل الرئيس.
إن المتتبع لحفل موكب الشموع، يلاحظ بأن هذه المناسبة الاحتفالية قد بقيت حكرا على مدينة سلا فقط، وذلك راجع لكون هذه المدينة ظلت ومازالت تحتفظ على جزء كبير من ذاكرتها، وهي بذلك تساهم في صيانة وترميم جزء من التراث الوطني والهوية المغربية.
ومع ذلك مازال ينتظر من الساهرين على الشأن العام العمل على مأسسة مثل هذه الاحتفالات المناسباتية، وربطها بالخصوصيات الحضارية الوطنية وجعلها قناة تواصلية مع الآخر.
العناصر المشاركة في الموكب تتكون من حملة الشموع الذين هم من المريدين حيث نجد الفلايكية والطبجية، وهو تقليد قديم يقصد به تمجيد رجال البحرية على جهادهم في حراسة شواطئ البلاد وهؤلاء لهم علاقة بتاريخ مدينة سلا الجهادي ثم نجد أبناء العائلات السلاوية يحملون هذه الشموع بطرق محكمة أنيقة بلباسهم التقليدي الذي يعرف بـ«المحصور». «الجبدور المنصورية».