أسس التدين المغربي ـ العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي وطريقة الجنيد
ذ. أحمد براو*
كثيرا ما يتداول مغاربة العالم مواضيع تخص الشأن الديني وأسس التدين المغربي المعتدل الذي يحظى بالدراسة والتعليم والتعلم في مجالات التأطير والوعظ والإرشاد، ويشد اهتمام المتابعين لهذا الفكر الديني والفلسفة الإسلامية والهوية المغربية، كما يمثل مادة دسمة للعديد من الباحثين المتخصصين في مواضيع التطرف والإرهاب ومسائل تسيير المساجد والمراكز الإسلامية خصوصا مغاربة المهجر وبالأخص المغاربة المقيمين بإيطاليا نظرا للإطار الديني الذي يوحدهم ويمثلهم سواء لدى الهيئات والمؤسسات الإيطالية أو البعثات والمؤسسات المغربية المعنية خصوصا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والذي يعاني من عثرات وثغرات ومشاكل تسييرية وهيكلية.
وقد يستوقفك جهل العديد من “النشطاء الدينيين” الذين يتصدون ويتصدرون مهام وتأطير مغاربة الخارج وممن يسيرون المراكز والمساجد والجمعيات لِكُنه هذا الموضوع، وللأسف لا يفقهون معاني تلكم الكلمات الثلاث التي يستند عليها التأطير الديني المغربي رغم ترديدها على ألسنتهم واعتزازهم بها والإستدلال على صحة المنهج واعتداله ونجاحه في حفظ المغاربة من التعصب الذي تورط فيه الكثير من الشباب بسبب تأثرهم بالفكر السلفي والصحوة المشرقية.
وردت أبيات في متن الفقيه العلامة التونسي ابن عاشر والذي يحفظه المغاربة عن ظهر قلب:
1 يَقُولُ عَبْدُ الواحِدِ ابْنُ عاشِرِ مُبتَدِئاً بِاسمِ الإِلهِ القادِرِ
2 الحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَنا مِنَ العُلومِ ما بِهِ كَلَّفَنا
3 صَلَّى وسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدِ وَآلِهِ وصَحْبِهِ والمُقْتَدِي
4 وَبَعْدُ فالعَوْنُ مِنَ اللهِ المَجِيدْ فِي نَظْمِ أَبْياتٍ لِلُامِّيِّ تُفِيدْ
5 في عَقْدِ الَأَشْعَرِي وفِقْهِ مالِكِ وَفي طَرِيقةِ الجُنَيْدِ السّالِكِ.
فما معنى يا ترى عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد:
1-العقيدة الأشعرية
المراد بعقيدة الأشعري هو ما اصطلح عليه بعقيدة أهل السنّة والجماعة التي يرى أتباعها أنها عقيدة جمهور علماء الأمة بحيث تمخضت وتكونت ابتداء من الباقلاني إلى الجويني إلى الغزالي إلى ابن العربي إلى ابن عاشور، وهي عقيدة التوحيد والتنزيه كما دونها الأشعري بعد أن تخلى عن مذهب المعتزلة الذي كان أحد رواده، ولكنه حافظ على ما تعلمه منه في مواجهة المجسمة والمشبهة وغيرها من الفرق الكلامية، وهذا سبب تحامل بعض متعصبي منهج السلفية عليه لأنه واجههم ودحض منهجهم الحشوي.
وللعقيدة للأشعرية آثار طيبة في نشر العقيدة الوسطية في الغرب الإسلامي لأنها بنيت بالقواعد المتينة التي تجلب الأمن والاستقرار وتحذر الناس من التكفير والتضليل والتبديع، ومن أن التكفير أمر خطير لا يتولاه إلا العلماء المتخصصون في مجال القضاء والفتوى.
كما تحمل كلام المكلف على سلامة إيمانه، ولا يشنع بالتكفير أو التضليل بمجرد التلفظ بما قد يفهم الكفر، وذلك استنادا على مصدر التلقي وهي نصوص الكتاب والسنة وأن العقل خادم لهما، كما استطاع الخطاب الأشعري من خلال عقيدة الكسب؛ التي هي التفسير العملي والعلمي لمسألة القضاء والقدر أن يقرر على أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى.
2-الفقه المالكي
يُعد المذهب المالكي ثاني المذاهب السنية الباقية إلى الآن، ويضم المذهب جملة الأحكام الفقهية التي ذهب إليها الإمام مالك، وما ألحق بذلك مما خرَّجه أصحابه على قواعده وأصوله، ومؤسس هذا المذهب هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر ( 93 – 179هـ ) شيخ الإسلام، إمام دار الهجرة، أميرالمحدثين. نشأ المذهب المالكي بالمدينة المنورة موطن الإمام مالك، ثم انتشر في الحجاز وغلب عليه وعلى البصرة ومصر، وما والاها من بلاد إفريقية، والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى والسودان وغيرها .
يتميز المذهب المالكي عن المذاهب الفقهية الأخرى بتنوعه وثرائه، فقد خرجت من هذا المصدر مدارس كثيرة سموا بعد ذلك بالسادة المالكية، اهتمت تلكم التيارات بآرائه وقواعد استنباطاته وأصول اجتهاداته، مع اختلاف الخصائص، وتباين منهج التأليف والتصنيف، كالمدرسة المدنية والمصرية والمغربية.
كما يمتاز المذهب المالكي بعدة خصائص ومميزات من أهمها :تنوع أصوله بين النقل والعقل، وتوسعه في استثمار الأصول المتفق عليها، ثم اعتماده على عمل أهل المدينة، وقبوله أنواعاً من الحديث لا يقبلها غيره كالحديث المرسل.
ويعرف برحابة الصدر في استنباط المسائل الفقهية كالتركيز على المرونة والتيسير والوسطية والاعتدال.
وباختصار يتميز بمراعاته للبعد المقصدي والمنطقي والمصلحي والواقعي والإجتماعي.
3-طريقة الجنيد
الجنيد البغدادي (215 – 298 هـ) عالم مسلم وسيد من سادات الصوفية وعلم من أعلامهم. يعد من علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف في الآن ذاته، إذ جمع بين قلب الصوفي وعقل الفقيه، واشتهر بلقب «سيد الطائفة». وعدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصونًا من العقائد الذميمة، محميَّ الأساس من شُبه الغلاة، سالمًا من كل ما يوجب اعتراض الشرع. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: “هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة”. وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد.
كما جعل الجنيد من التصوف مجرد سلوك واخلاق يرفض الانعزال عن الحياة العامة فكان عنده رياضة روحية معتدلة لا تصل الى شطحات الحلاج او البسطامي وغيرهما ممن صدمت أفكارهم ما تعارف عليه عامة الناس من معتقدات. ولذلك كان التصوف عند المغاربة جنيديا بالأساس اكتمل به اعتدال ووسطية التدين لأنه لا يتناقض مع الفقه المالكي وعقيدة الأشعري.
هذه الثلاث باختصار هي أسس الهوية الدينية المغربية التي أجمعت عليها المملكة الشريفة والتي ارتبط بها السلاطين المغاربة والشعب المغربي وعمل العلماء والفقهاء على الحفاظ عليها والدعوة إليها كمنهج للتدين الوسطي المعتدل، وتمكنوا من نشرها على نطاق واسع في إفريقيا وأوروبا.
*كاتب وجمعوي مقيم بإيطاليا