
إياكم وإساءة الظن….
ذ.أحمد براو،نبض الوطن:
سوء الظن بالناس، يعكس خبث الطبع وسوء الخلق لأن إساءة الظن بالآخرين يجلب الشك والكراهية والحقد بين الناس وغيرها من الكثير من الأمراض الاجتماعية السيئة والتي تؤثر سلباً على الإنسان خصوصا المسيء الظن. ناهيك عن أنه سبب في حدوث الكثير من المشاكل والقطيعة سواء كان ذلك بين العائلات أو بين الأصدقاء، لأن من الأسهل أن تقطع العلاقات ولكن من الصعب جبر الخواطر والإصلاح بين المتخاصمين، وبذلك يلعب هذا الخلق السيء دور المعول الهدام في المجتمع، بحيث يؤدي بصاحبه إلى فقدان الثقة بكل الناس من حوله مما ينتهي به المطاف إلى الشعور بالوحدة، لأن جميع الناس ينفرون من هذه الشخصية المسيئة للآخرين المشككة في نواياهم مهما كانت طيبة وسليمة.
والعاقل هو الذي يجتهد في تكثير الأصدقاء واستمالة الناس بدل من استعدائهم بدون سبب.
فمسيء الظن يعاني من أمراض عديدة أقلها الغيرة والحسد والبغضاء كما أنه بظنه السيء يوقع نفسه في الحرام والشبهات، ويكون عرضة للوساوس، ولا يدري أنه يرتكب خطيئة فيما كان عليه أن يجنح لحسن الظن ويسلم من الإثم.
وليس غريبا أن يكون سوءُ الظن مسؤولا عن كثير من النزاعات على الصعيد الفردي أو الجماعي؛ لسبب معروف وهو أن اجتماعية البشر المنطوية على المضامين التواصلية المتنوعة هو من أبرز النشاطات الإنسانية، وعليه التعويل في تكوين الرأي عن الآخرين، وتحديد المواقف منهم.
فالآراء المسبقة هي التي تلغي فاعلية التواصل لصالح فهم مسبق مستقر وطاغ ومُعطِّل.
والتعصب أو الحب الشديد والبغض الشديد الذي يحجب نور التعقل ويعطل فاعلية التفكير في المعطيات الجديدة، أو يمنع من تقبل الحق من غير الجهة التي نحب، أو الجماعة التي إليها ننتمي أو الفكرة التي نتبناها وندافع عنها بدون نعم وبدون لا.
وهناك أيضا عوامل أخرى كالتسرع والعجلة وعدم التبيّن وبالتالي حدوث سوء الفهم وبناء الأفكار على أساسها بحيث تتجمع في بوصلة واحدة وتحدث استنتاجات نمطية تجعل من السهل التعامل بناء على ما وقر في المخيلة.
وبالمقابل هناك عجز من الذي يعاني سوء الفهم في توضيح مواقفه وإيصال مراميه إلى الظان به سوءا، وهذا يتطلب التروي والحكمة وحسن التعامل وإمتلاك مهارات التواصل، ثم لابد من معارف اجتماعية وقدرات نفسية وصبر وتمرن على كيفية معالجة هذه الظاهرة السلبية، والإبتعاد عن مظنة الشبهات ولا يقول أن منزلتي تشفع لي عند الناس أنهم لا يظنون بي سوءا، بل كما أن منزلتك تكون خيرا بين الأخيار فستكون شرا بين الأشرار.
ولحسن الظن لابد من حمل الكلام والمواقف التي قد توحي بشيء سيء، على خير الاحتمالات، والتماس الأعذار للآخرين وترك التعجل بإصدار الأحكام على النوايا، َلابد من مجاهدة النفس وحملها على ذلك لأن حسن الظن ثقيل عليها.
ومن موجبات سوء الظن التجسس وتتبع العورات واقتفاء الآثار والبحث عن المساوئ لكي تكتمل الصورة وتنتقل للغيبة ونهش الأعراض وأكل لحم الناس ولذلك نبه لها القرآن الكريم لأن خطواتها تبدأ بالخاطرة وتنتهي بالوليمة على لحم الميت، قال الحق عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم.”
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله “ضَعْ أَمْرَ أخيك على أحْسَنِه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا؛ وأنت تجد لها من الخير محملاً، ومَنْ عَرَّضَ نفسَه للتُّهم، فلا يلومنَّ مَنْ أساء به الظنَّ).
نبض الوطن