الأحزاب المغربية وظاهرة الانشقاقات
روما،أمين بوشعيب،<<نبض الوطن >>:
لا يمكن ان نتحدث عن تأسيس الأحزاب في المغرب دون أن الإشارة إلى ظاهرة الانشقاقات الحزبية في المغرب، إذ يمكن اعتبارها من أهم سمات العمل الحزبي في البلد.
لا أريد ان أتحدث عن الأسباب الخارجية، التي ترتبط أساسا بطبيعة النظام السياسي، وتدخله الرامي إلى التحكم في المشهد الحزبي، لأن هذه الأسباب تبقى رهينة بالفاعلين السياسيين الذين لديهم قابلية الاستجابة لإغراءات السلطة، وغير ذلك.
أريد أن أركز على العوامل الداخلية، والتي يمكن تلخيصها أساسا في غياب الديمقراطية، فبمجرد ان يعتلي الزعيم الكرسي رئيسا للحزب، حتى يصنع له بطانة من الموالين داخل الحزب، دورهم الأساسي أن يهتفوا باسمه في كل مناسبة، وبأنه الزعيم الخالد الذي لا يمكن للحزب ان يعيش بدونه، فيُعاد انتخابه مرات عديدة، ليس بالتصويت، ولكن بالتصفيق فقط “وعاش الزعيم الخالد”
إن غياب الديمقرطية داخل الأحزاب السياسية، يؤدي إلى إشاعة قِـيم قائمة على الطاعة العمياء للزعيم، دون مراجعة قراراته أو نقده، واعتباره زعيما تاريخيا بيده مصير الحزب، لذلك وجب الوقوف خلفه وتأييده والانتصار له. ولا يمكن لأحد أن يتصور أن يكون له أو لغيره دور في تغيير الزعيم، أو الإتيان بغيره.
هذه الممارسة السياسية تؤدي إلى انغلاق الزعيم وبطانته على أنفسهم فتصبح الوجوه هي نفسها التي تسيطر على دواليب الحزب ومؤسساته وماليته. فتشيع داخل الحزب ظواهر مرضية تتعلّـق بالتشبث بالمناصب، وتقاسم المنافع والمصالح، والتمركز حول القائد الزعيم والتنافس من أجل إرضائه، ولو على حساب القانون ودستور البلاد.ومع مرور الزمن، تصبح هذه الطغمة المسيطرة أكثر عمرا، وفاقدة لعنصر الدينامية، ولا تعرف بالتالي ظاهرة تجديد الدماء.
إن أهم محدد جوهري أنتج ظاهرة الانشقاقات التي طالت الأحزاب السياسية المغربية يكمن أساسا في تمجيد الزعيم وعدم قدرة منتسبي الأحزاب على الفعل والتغيير. ومن هنا تبدأ الانشقاقات.
وما يحدث الآن في بعض الأحزاب السياسية البارزة التي تعيش على وقع خلافات وصراعات طاحنة على القيادة في ظل رفض مناضلات ومناضلي تلك الأحزاب، التمديد واستمرار نفس الزعماء، ليؤكد ما قلناه في بداية هذه المقالة.
فحزب الاستقلال مثلا تفجرت فيه خلافات حادة بسبب بعض التعديلات التي اقترحتها اللجنة التنفيذية للحزب بدون موافقة الأمانة العامة، وقد تؤدي إلى انشقاق تيار الغاضبين ليعلنوا عن تأسيس حزب جديد. وكذلك الشأن بالنسبة لحزب الاتحاد الدستوري الذي يعيش بدوره على صفيح ساخن مع انتهاء ولاية الأمين العام محمد ساجد، حيث يسعى بعض المناضلين أو ما يسمى “الحركة التصحيحية” إلى قطع الطريق عليه للاستمرار في القيادة، وانتخاب أمين عام جديد خلال مؤتمر الحزب الذي تم تحديده في شهر أكتوبر. وإلا سيكون مصير الحزب هو الانشقاق. حزب التقدم والاشتراكية هو الآخر يعيش صراعا داخليا بين الأمين العام وتيار “سنواصل الطريق”، الذي يرفض استمراره لولاية رابعة على رأس الأمانة العامة، وتعتبرها خرقا سافرا للنظام الداخلي للحزب. مما قد يؤدي إلى انشقاق الحزب في حالة إذا أصر الأمين العام على الاستمرار. وعلى أية حال فكلما اقترب موعد تنظيم مؤتمر حزب من الأحزاب في المغرب، يظهر على السطح من ينادي بتغيير الأمين العام، يتشبّث بكرسي الزعامة ضدا على القانون الداخلي للحزب. لقد كان من الممكن تفادي العديد من الانشقاقات الحزبية بشرط وحيد، وهو احترام الديمقراطية الداخلية باعتبارها ترسيخا لمبدأ التداول على المسؤولية، واحتراما للاختلاف، فالعجز عن تدبير الاختلاف هو سبب جوهري يكمن وراء الاختلافات والصراعات الطاحنة التي تنشب داخل الحزب، كان من الممكن تجنبها، وبالتالي تجنب الانشقاقات. فشخصنة الحزب تشكل عاملا أساسيا في خلق أزمة لدى الأحزاب المغربية، ذلك أن مسيرة الحزب السياسي تتماهى مع حياة أمينه العام. وبتعبير أوضح، فإن تاريخ الحزب هو تاريخ أمينه العام. لذلك فلن لن يتمكّن أي حزب سياسي الذي يقوم على عبادة شخصية الزعيم الخالد من الاستمرار على المدى الطويل. والبديل هو أن تسعى الأحزاب إلى بناء تنظيماتها ومؤسساتها بشكل لا يعتمد على المصير السياسي لشخص واحد.
فلاش: ينص الدستور المغربي وقانون الأحزاب في المغرب، على مساهمة الأحزاب السياسية في تنظيم وتأطير المواطنين، ويتم ذلك عبر عقد عدة ندوات وتجمعات، أو نشر مقالات وملصقات، أو إحداث منظمات الشبيبة، بهدف تكوين المناضلين ونشر قيم الديموقراطية والمواطنة، وتوعية المواطنين بضرورة الاهتمام بالقضايا الوطنية والمساهمة في تحديد سياسة الدولة. لذلك آن الأوان للتدخل، إذا أردنا بناء دولة ديمقراطية حقيقية، من أجل فرض شيئين اثنين داخل كل حزب، وهما ضرورة الالتزام بتأطير المواطنين وتمثيلهم، وضرورة التداول على رئاسة أمانة الحزب.
أمين بوشعيب/ إيطاليا