
التراث في الجزائر حينما يسيء للإنسان… وتابو «الشيخة» يقسم المغاربة
هاهو رمضان يوشك على نهايته. ورغم كل ما قيل عن غلاء أسعار مختلف المواد الضرورية إلا أننا تخطينا الأزمات واشترينا وأكلنا وبذرنا. وشكل خبر الموائد المترفة فيه حصة الأسد. ومع هذا فهناك من أوشك على الموت جوعا. هذا ماتناقله الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. نعم كادت عائلة بأكملها أن تفقد الحياة بسبب الجوع والفقر، في عز شهر رمضان، حين تكثر مطاعم الرحمة وتزداد أشكال التضامن المختلفة بين الأحياء والمدن وعلى الطرق السيارة!
إذ تم نقل سبعة أفراد من العائلة القاطنين في بلدية «قنتيس» في تبسة شرق الجزائر، إلى المستشفى، حيث وضع الأب تحت الرعاية الطبية وإحدى الفتاتين نقلت إلى مستشفى تبسة لإجراء عملية جراحية في العظام والثانية نقلت إلى مستشفى «عاليا صالح» في تبسة ووضعها تحت الرعاية الطبية، بينما نقل الابن إلى مستشفى الأمراض العقلية في مدينة «عنابة». وهذا أثار موجة استياء من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فنقلا عن صفحة «علي الملك»، ونقلا عن «أخبار ولاية تبسة»، والذي تناقلته عديد الصفحات دون صاحب الصفحة: «قضية اليوم لا بعدها قضية ولا قبلها. يحدث في بلدية قنتيس دائرة العقلة تحويل 7 أفراد من عائلة واحدة إلى مستشفى بسبب الجوع والفقر بعد أن ضاقت بهم السبل. آسف جدا أنا أيضا أتحمل بعضا من المسؤولية مثلكم جميعا. حسبي الله ونعم الوكيل. كما شكل الحدث «تريندينغ» في قناة النهار «جوع، فقر مدقع ومرض. كارثة إنسانية تعيشها عائلة في تبسة». بالإضافة للجوع والفقر هناك المرض الذي ينخر أجساد أفرادها. أب عاطل عن العمل وأم توفيت منذ أيام بسبب فقر حاد في الدم بسبب انعدام التغذية والرعاية تاركة وراءها سبعة أبناء. واقع مرير ومشاهد تدمي القلوب تعيشها هذه العائلة، من جوع وفقر ومرض، تضيف مقدمة البرنامج. وما زالت تحت وطأة الفقر والعزلة وقلة الإمكانيات. تحدث رب العائلة بلهادي رشيد عن زوجته في روبورتاج «النهار» وذكر أنها كانت مريضة المسكينة. وعانت من المرض. إلى أن توفيت بسبب فقر الدم. وتحدث جار الأسرة، أن الأمر أيضا يعود إلى تهميش المنطقة وغياب التنمية فيها والمرافق. ويطلب من السلطات الإحساس بمعاناتهم. كما دونت صفحة الكترونية ما يلي: «عقب اكتشاف مأساة عائلة تتكون من سبعة أفراد عبارة على أنين خافت يصدر من أجساد هزيلة أنهكها الجوع والمرض، ترقد فوق بعضها البعض، خاصة بعد وفاة والدتهم التي عمقت معاناتهم في ظروف مأساوية وكارثية تدمي القلوب. تدخلت المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بالشريعة أين أرسلت ثلاثة أطباء وممرضين ومختص نفسي عيادي بمرافقة مدير المؤسسة العمومية للصحة الجوارية الشريعة وبعد معاينة أفراد العائلة تم وضع الأب تحت الرعاية الطبية في المنزل فيما تم تحويل فتاة للمستشفى، حيث ستخضع لعملية جراحية في العظام وتحويل الأخت الثانية إلى مستشفى عاليا صالح ووضعها تحت العناية الطبية، كما تم نقل الابن إلى مستشفى الأمراض العقلية في عنابة لأن تبسة لا توجد بها مصلحة للأمراض العقلية.
وسيط الجمهورية وفي اتصال هاتفي أكد أنه سيتدخل لدى الجهات والسلطات ذات العلاقة من أجل التكفل الأمثل القانوني والإنساني لهذه الحالة. وإنه سيتابع وضعيتهم حالة بحالة». وهذه المعلومات نقلت من صفحة «الطيب عبيدات». مأساة حقيقية في عز الشهر الفضيل!
شقراوات قناة سميرة وصورة «خادشة» للحياء
يقول المثل إن «خادم الرجال سيدهم» عندما تكون الخدمة من منطق تكافؤ المكانة والتمثلات حول المكانة والندية في كل شيء. لذلك يتحقق المثل. لكن في حالة «سيدات تراث الطبخ والبوراك» المتمتعات بجلسة في الهواء الطلق البارد، ممن يحتجن، على ما يبدو، لشاي ساخن «منعنع» ليتدفأن، من يدي شاب أسمر لا يمكن إلا أن تحمل دلالات أخرى «قاسية» على ذاكرة مجتمع ما زال الكثير منه يترفع عن سود البشرة ولا يقترب منهم «كثيرا». كما لا يمكن للصورة أن تمر مرور الكرام على المشاهد لبرنامج «تراث بلادي» على «قناة سميرة». قناة الطبخ في الجزائر. ثار رواد مواقع التواصل الاجتماعي على تلك الصورة النمطية التي في كل مرة تأتينا بشاب أسمر يقف في خلفية «هوانم» البرنامج ينتظر متى يؤذن له لتقديم الشاي»…كتب لونيس باديس على صفحته «هذه اللقطة تحمل شحنة تأويلية مستفزة ثقافيا ونفسيا». ثم كتب مرة ثانية عن الموضوع: «ليس توسويسا». هناك فرق شاسع بين ان يكون بائع الصحراء (يقصد بائع الشاي) في محله (وهو هنا سيد فضائه) يأتيه الناس لأنهم يحتاجونه. وبين حضوره في هذه الحصة: حيث تجتمع النسوة (العاصميات) يتبادلن أحاديث العاصمة (الراقية). بينما يقف هو منتظرا أمر السيدات للحضور وتقديم ما يحتجن. هذا فضلا عن اختلاف الفضائين اختلافا كبيرا. ويضف الأستاذ لونيس باديس: «في الواقع هناك سياق ممتد معقد واسع. تتقاطع فيه السياقات النفسية والاجتماعية والثقافية، بينما في فضاء الصورة التلفزيونية يتم تكثيف اللحظة وتأطيرها (نظرية التأطير الإعلامي) لتوجه التركيز إلى معان محددة.
ويختم الأستاذ باديس تدوينته بالقول: «طبعا أعتقد أن القائمين على الحصة لم يتقصدوا الإساءة، ولكن اللقطة تكشف نسقا ثقافيا مضمرا». أما الشاعر علي مغازي، فكتب على صفته على الفيسبوك: «نعطيكم نظرة على الهبل». مثلا يجيك واحد يقلك هذا السيد اللي يظهر في برنامح «سيدات الأستوديو» هو قابل وأنت وش دخلك؟ صح يا أخويا. من جيهتي أنا أقلك، هذاك السيد الأصلع اللي سدد خزرة لئيمة للممثلة في اللقطة التي تبحثها سلطة الضبط. الممثلة قابلة وانت واش دخلك. (يقصد لقطة مسلسل حب الملوك التي بسببها تم ايقاف المسلسل)، بمنطق التهبيل نقدر نبث أي شيء مهما كان مخلا بالأخلاق أو الذوق أو حتى القانون، المهم أن الأطراف التي تظهر في اللقطات يكونوا موافقين. يضيف «هذ الصورة مرفوضة، بالنسبة لي كمتلقي، وليس تضامنا مع أي أحد لأن الصورة تحمل رسالة ترويجية للعبودية وعندها دلالات خطيرة جدا. أما الشخص الذي يظهر فيها فهو لا يهمني مطلقا، جزائريا أو غير جزائري، من الجنوب أو من الشمال، من السماء أو من الأرض. هذا شأنه. الصورة التي ظهرت تمثل، ولو بشكل عكسي، إعادة إنتاج للوحة «نساء الجزائر في مخدعهن» للرسام «أوجين ديلاكروا»، حيث تظهر نساء متكئات على وسائد وعلى الجانب جارية سمراء، وفي البرنامج تظهر نساء بوراكيات يتسامرن وعلى الجانب «خديم». لقطة «خادشة للحياء في مسلسل حب الملوك أوقفت المسلسل منذ البداية، بينما الترويج إما للعبودية، أو لابراز دنو مكانة «السود» في المجتمع واهدار كرامة الإنسان لم تحرك لذوي الهمم ساكنا. لقطة تكرس دونية البشر وفق أقوال ورؤى وتصورات تاريحية تجاوزها التاريخ. لكن التعالي والمركزية اللونية واللغوية والمجالية يجرون الإنسان إلى حتفه. ولم تجد سلطة الضبط عند استدعائها لمديرة القنوات سوى «اسداء النصح» لرواد مواقع التواصل الاجتماعي لاجتناب الأحكام القيمة، والتي تكون غالبا انفعالية ومغلوطة وتضليلية تغذي التفرقة بين أبناء المجتمع الواحد»، حسب ما جاء في صفحة الاعلامي ع. مزغيش.
مكانة «الشيخة» وسط نقاش وجدل في المغرب
رافقت دراما رمضان هذا العام نقاشات واسعة باعتبارها ضربت القيم عرض الحائط، ككل مرة، فهي تحرض على المحظورات، حسب الكثير من المتابعين، لا سيما وأنها ترتبط بشهر رمضان. وكانت الجزائر وتونس مسرحا لجدل كبير حول الدراما الرمضانية وتم ايقاف مسلسل «حب الملوك» في الجزائر من طرف سلطة الضبط السمعي البصري وقررت قناة «حنبعل» إيقافه هي بدورها كنوع من التضامن مع قناة «النهار» الجزائرية. وكذلك الحال بالنسبة لمسلسل» براءة» الذي شكل مادة دسمة للنقاش والجدل والسخط، لكن لم يتم توقيفه من طرف «الهايكا». هو ولا غيره. وفي المغرب وصل مسلسل «فتح الأندلس» للمحاكم بسبب تشويهه للتاريخ وللشخصيات، حسب «المدعي» الذي رفع القضية. وها هو مسلسل» المكتوب» ، يدخل دوامة الجدل. فمن بين مهاجمي العمل، الذي حظي بنسبة مشاهدة عالية، « الشيخ» السلفي «ياسين العمري» والذي «رأى أن المسلسل يشجع على ما سماه بالمنكر.
وتحدّث الشيخ باسم المغاربة، واعتبر أنهم “يحتقرون «الشيخات»، لكن تقشعر أبدانهم حينما يسمعون كلمة «الشيخة»، مشيرا إلى أن منتجي المسلسـل يريدون أن يجعلوا المغاربة» يطبعون مع هذا المنكر» . كما قارن الشيخ، في محاولة لتجييش متابعيه، بين «الشيخات» وقارئات القرآن. متسائلا لماذا لا يتم الترويج لحفظة القرآن. وتابع مجيبا في نفسه (حسب ما جاء في موقع بديل أنفو ) أن ذلك لا يثير الاهتمام ولا يحمل الفرجة». أما «أصوات مغاربية «فرصدت انقسام المتابعين للعمل بين معارض ومؤيد له، مما جاء في المقال: «يثير مسلسل «المكتوب» الذي تبثه القناة المغربية الثانية، نقاشات واسعة حول مهنة «الشيخة» (مغنية شعبية). فانقسمت الآراء بين من يدعو لمقاطعته ومن يرى أنه نجح في كسر الصور النمطية الدونية السائدة عن الشيخة في المجتمع المغربي. وسبب معارضة رواد شبكات التواصل الاجتماعي للعمل «رغم الأرقام «القياسية» التي حققها، راجع، لاستهدافه للذوق العام لتركيزه على حياة المغنية الشعبية. وكتب مدون قائلا: «حقق المسلسل 12 مليون مشاهدة، لكن هيهات. لن تكون الشيخة قدوة لنا حتى لو درست وبلغت مابلغت من مستويات». في المقابل دافع آخرون عن المسلسل وأشادوا بنجاحه في نقل العراقيل والصعوبات التي تعترض حياة الشيخة وأبنائها، كما ذكروا بدور هذه المغنية الشعبية في محطات مهمة من تاريخ المغرب.
وهناك من رأى أن المسلسل نجح في نقل معاناة الشيخة وأبنائها من التنمر.
كما رأى آخر أن مصطلح «الشيخة» ارتبط قديما بالمقاومة من خلال ما تؤديه من زجل لتحفيز المقاومين للتصدي للمستعمرات. كقصة خربوشة مع القائد عيسى. أما الناقد والمخرج المغربي إدريس شويكة، فتطرق إلى القيمة الثنائية للشيخة «فهي شخصية محبوبة ومنبوذة في الوقت نفسه، وهذا الصراع كان دائما وسيستمر في المستقبل». وفي الواقع فإن مايسمى ب»الشيخات» سواء في المغرب أو الجزائر شكلن «هوامات» الرجال في المجتمعات التقليدية التي تكرس تقسيم الفضاء بين الجنسين. وبروز الشيخات في الفضاء العام جعلهن يحظين باهتمام كبير وببذخ العطاء عليهن أثناء أداء وصلاتهن الغنائية والراقصة.
٭ كاتبة من الجزائر