
المغرب: مساعٍ حكومية لتفادي كارثة اقتصادية بسبب الجفاف
تُسابق الحكومة المغربية الزمن لاتخاذ تدابير وإجراءات إضافية للحد من الجفاف واحتواء التداعيات السلبية لتأخر التساقطات المطرية هذا الموسم. ومعدل هطول الأمطار هذا الموسم في البلاد هو الأدنى منذ 41 عاماً، وفق السلطات المغربية. وتزامن موسم الجفاف مع انتشار وباء كوفيد-19 للعام الثالث على التوالي، ما دفع الحكومة إلى إعلان إجراءات لدعم المزارعين المتضررين، وسط مخاوف من تأثيرات حادة على الاقتصاد المحلي. وفي 16 فبراير/شباط الجاري، أعلن المغرب إطلاق برنامج استثنائي بقيمة 10 مليارات درهم (حوالي 1.2 مليار دولار) لدعم القطاع الزراعي، والتخفيف من آثار تأخر تساقط الأمطار هذا الموسم وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين. وتعد الفلاحة من أهم القطاعات التي يعتمد عليها اقتصاد المغرب، وتساهم بشكل كبير في ارتفاع أو انخفاض معدل النمو الاقتصادي. ويرى خبيران اقتصاديان في حديثين منفصلين أن الوضع الاقتصادي في البلد «صار صعباً» بعد تأخر سقوط الأمطار، بالتزامن مع استمرار تداعيات الجائحة.
الزراعة مصدر رزق 40 في المئة من السكان
وتساءل عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة محمد الخامس في الرباط، قائلا «لماذا القطاع الفلاحي الذي يمثل 13% فقط من الدخل الوطني يؤثر على الثلثين من الإنتاج الوطني العام؟». وأضاف «حين يكون الجفاف، نحقق نمواً اقتصادياً يتراوح بين 2 و2.5%، بينما خلال سنة ممطرة نصل إلى 6%». وأوضح الكتاني أن «أقل من سدس الدخل الوطني يحرك ثلثي الاقتصاد الوطني، لأن القطاع الفلاحي يهم 40%من سكان المغرب، الذي يعيشون بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال النشاط الفلاحي وتربية الماشية».
وأضاف «حين تكون السنة ممطرة، يرتفع دخل نحو 40% من السكان (العاملين بالقطاع الزراعي) بنحو 3 أضعاف، بمعنى أننا ننتقل من إنتاج سنوي للحبوب يقدر بـ 30 مليون قنطار (3 ملايين طن) إلى 80 مليون قنطار (8 ملايين طن)».
ولفت الخبير إلى أنه «إذا تضاعف الدخل بثلاث مرات، فإن 40% من سكان المغرب ترتفع قيمة مشترياتهم السنوية، وبالتالي يتحرك الاقتصاد الوطني كلياً، بينما في حالة الجفاف يتراجع دخل 40% من السكان بنحو الثلثين، ويصبحون في حالة عيش عند الحد الأدنى للمعيشة».
يذكر أن معدل الأمطار هذه السنة هبط إلى أدنى مستوى له منذ 41 عاماً، حسبما أفاد وزير الفلاحة، محمد الصديقي، يوم الأربعاء الماضي خلال انعقاد لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) حول «برنامج التقليص من آثار عجز التساقطات المطرية». وأوضح أن التساقطات تراجعت 64% خلال الموسم الفلاحي الحالي، مقارنة بالموسم السابق. وقال الوزير المغربي أن الحكومة أطلقت برنامجاً للحد من آثار عجز هطل الأمطار، يتضمن عدداً من الإجراءات بينها «دعم الفلاحين وتأمين القطاع»، معلناً تخصيص 3 مليارات درهم (302 مليون دولار) لعملية دعم مربي الماشية. من جهته، قال الخبير الاقتصادي المغربي المهدي فقير أن «مواسم الجفاف تكون قاسية جداً على الاقتصاد المحلي، لكن في الظروف الحالية ستكون التداعيات أكبر نظراً للظروف الاستثنائية التي يشهدها البلد». وتابع: «دخلنا في فترة عصيبة تتعلق بارتفاع أسعار المواد الزراعية عالمياً، وأيضا إكراهات الميزانية، والأمر لن يكون سهلاً على البلد». وخلص فقير إلى أن «العديد من التساؤلات تطرح أمس حول القدرة على تدبير الوضع، وفي بالمحصلة سيتأثر نمو الاقتصاد المحلي بشكل كبير». وقال الكتاني أن «الوضع الاجتماعي يتطلب سياسات اجتماعية وليست فقط اقتصادية، بمعنى إعادة النظر في القطاعات التي تخلق فرص العمل، والمؤهلة لرفع مستوى توظيف الشباب العاطل».
ولفت إلى أن «ردود الفعل الرسمية تتمثل في ضخ نحو 1.2 مليار دولار للقطاع الفلاحي والقطاع الاقتصادي بشكل عام، بينما سنفقد جراء تراجع الإنتاج الفلاحي نحو ملياري دولار، وبالتالي نسعى إلى تعويض نحو 50% من الآثار السلبية». وأضاف «هل ستتبنى الدولة سياسة اقتصادية اجتماعية بمعنى توجيه الرأسمال بالأساس نحو خلق أكبر عدد من فرص التشغيل؟ أم ستستمر في التفكير بالمنطق الرأسمالي، وستدعم بشكل كبير الاستثمار في المدن أساسا دون الاهتمام بسكان البادية؟».
ندرة المياه
وفي ظل معطيات رسمية تشير إلى تراجع مقلق في حصة الفرد السنوية من المياه في المغرب، تسعى المملكة إلى تحقيق «الأمن المائي». وأقرت الحكومة في وقت سابق برنامجاً وطنياً للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة 2020 ـ 2027، باستثمارات تبلغ 115 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار). وتراجعت حصة الفرد المغربي من الماء إلى أقل من 650 متراً مكعباً سنوياً، مقابل 2500 عام 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، حسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب (حكومي). ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أن المغرب من الدول التي تتسم بمحدودية الموارد المائية وهشاشتها، بسبب مناخه الجاف وشبه الجاف، مع تباين كبير في التساقطات المائية في المكان والزمان. وأشار إلى أن التوجه الذي سارت عليه السلطات في إطار «مخطط المغرب الأخضر»، وهو برنامج لتطوير القطاع الزراعي أطلقته وزارة الفلاحة في أبريل/ نيسان 2008، استنزف الموارد المائية. وما عقّد مشكلة ندرة المياه في البلد، تشجيع الزراعات التي تستهلك الماء بشكل كبير، خصوصا البطيخ الأحمر، إذ انتقلت المساحة المزروعة من 2000 هكتار عام 2008 إلى 10 آلاف هكتار حالياً.
الأناضول