اليمين في “مسيرة الأعلام” قريباً.. والمقدسيون: احتلال جديد للمدينة واستفزاز للمسلمين
قرار وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، وقيادة الشرطة، السماح لمسيرة الأعلام بالسير في مسارها العادي في القدس، كان قراراً متوقعاً. في الوضع السياسي الحالي، أي قرار آخر كان سيفسر على أنه خضوع ويحصل على موجات إدانة من اليمين. المسيرة التي أجريت على مدى ثلاثين سنة، تحولت إلى حدث مهم ورمزي في التقويم السنوي للصهيونية الدينية واليمين في إسرائيل. هذا الموقف لا يمكّن متخذي القرارات من تغيير مسارها أو تقييدها. هذه بالضبط هي المشكلة مع القدس.
ستخرج المسيرة من الكنيس الكبير غربي المدينة، وتسير حتى ميدان الجيش، وهناك ستنقسم: الفتيات يسرن عبر شارع يافا نحو حائط “المبكى”، والشباب سينزلون إلى شارع المظليين ويدخلون من باب العامود ويسيرون في شارع باب الواد في الحي الإسلامي، وصولاً إلى حائط “المبكى”.
المرور من باب العامود يعدّ حدثاً رمزياً يفسره عشرات آلاف الشباب الفلسطينيين احتلالاً جديداً لشرقي القدس. اليهود المشاركون في المسيرة يرقصون في ساحة باب العامود، ثم تصل النشوة إلى ذروتها في المرور نفسه. في السنوات السابقة، تم التعبير عن الفرح بعدد لا يحصى من الشعارات العنصرية والعنيفة التي تم إطلاقها، ومهاجمة المارين وتخريب الممتلكات. عادة من العادات مثلاً، أن يتم الضرب بعصا العلم على أبواب الحديد للمحلات التجارية في الحي الإسلامي، التي أغلقت بالطبع بتعليمات من الشرطة.
سيسبّون العرب ويعتدون على الممتلكات ويرقصون في ساحة باب العامود قبل مرورهم بالحي الإسلامي
هكذا كان الحدث قبيحاً وعنيفاً على مدى السنين. وفي أعقاب ضغط عام وانتقاد شديد من قبل قضاة المحكمة العليا الذين طلب منهم البت في الموضوع بسبب التماسات قدمتها منظمات يسارية، بدأ المنظمون يسعون إلى تهدئة النفوس. هي جهود أثمرت، فجرت المسيرة بدون عنف تقريباً في السنوات الأخيرة. أغنيات الانتقام ودعوات الموت للعرب ما زالت تسمع، لكن يتم إسكاتها من قبل المنظمين. جزء من المحلات التجارية في الحي الإسلامي تبقى مفتوحة أثناء المسيرة. وهذا إنجاز يستحق التقدير للشرطة والمنظمين.
السكان العرب في البلدة القديمة يعتبرون المسيرة حدثاً عنيفاً واستفزازياً ومهيناً، يشوش حياتهم ويؤكد على وجود الاحتلال. حاولوا تخيل مسيرة أعلام فلسطينية تمر وهي تغني “بلادي بلادي” و”خيبر خيبر يا يهود” في شوارع الحي اليهودي. ازداد التوتر في السنوات الأخيرة بسبب مصادفة موعد المسيرة مع شهر رمضان. في السنة الماضية، وصل التوتر إلى ذروة غير مسبوقة. ففي اليوم الأول في شهر رمضان، نشرت الشرطة الحواجز في منطقة باب العامود وحدثت كل يوم مواجهات عنيفة بين الشباب الفلسطينيين ورجال الشرطة في المكان. وثمة مواجهات اندلعت أيضاً في حي الشيخ جراح القريب، هناك وقف عشرات السكان أمام الإخلاء الفوري لصالح دخول مستوطنين.
قبل يومين من المسيرة، حلت ليلة القدر وأوقفت الشرطة المصلين المسلمين في شارع رقم واحد، الذين كانوا في طريقهم إلى القدس، الأمر الذي أثار غضب الفلسطينيين. في صباح المسيرة، نشرت حماس تهديداً بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وتحت هذا الضغط، استجاب رئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، أخيراً لطلب أجهزة الأمن تغيير مسار المسيرة من باب العامود والحي الإسلامي إلى الحي اليهودي. كان القرار متأخراً جداً. فخلال المسيرة، تم إطلاق الصاروخ الأول نحو القدس، وفي المساء بدأ الجيش الإسرائيلي بعملية “حارس الأسوار”.
المشكلة في مسيرة الأعلام، مثلما في أمور أخرى تتعلق بالقدس منذ 1967، هو رمزيتها. وشبيهاً بتقييد إمكانية زيارة اليهود في الحرم أو إمكانية رفع الفلسطينيين للأعلام أثناء الجنازات، فهي رمزية تسلب من متخذي القرارات إمكانية اتخاذ قرارات متزنة. الحوار حول القدس حساس ومسموم جداً، فكل قرار يقيد حرية عمل اليهود أو يمكن من زيادة قليلة لحرية الفلسطينيين باسم الحفاظ على الأمن، سيفسر على الفور كخضوع وفقدان السيادة على المدينة، والنهاية المؤكدة والقريبة للصهيونية. حتى نتنياهو، عزيز اليمين، تعرض لانتقاد شديد على قرار تغيير مسار المسيرة قليلاً. عندما يكون هذا هو الخطاب العام، فلا خيار حقيقياً أمام بارليف عدا المصادقة على المسيرة، هذا رغم الأخطار التي تكتنفها. الثمن كالعادة يدفعه المقدسيون.
بقلم: نير حسون
هآرتس 19/5/2022