بدون عنوان: العاملات المغربيات في الحقول الإسبانية .. “توت بطعم الشقاء”
هنا ويلبا، هنا حقولُ ثروةٍ حمراءَ تدرُّ ذهبا على الجارةِ الإسبانية، تجنيها سواعدُ نساءٍ مغربياتٍ قادتهنَّ الظروفُ إلى الضفةِ الأخرى من البحرِ بحثا عن رزقٍ يسدُّ الرمقَ ويعينُ على ما حملتْهُ الأيامُ من قهرٍ.
هسبريس انتقلت إلى منطقة ويلبا جنوب غرب إسبانيا، منطقة تعرف بزراعة جل الفواكه الحمراء، بداية بالفراولة ومرورا بالتوت وغيره. أغلب العاملين هنا هم مغاربة.. التقينا عاملات كثيرات منحدرات من مناطق مختلفة، منهن من قدمت إلى هنا لأول مرة، وأخريات لهن تجارب سابقة؛ ناهيك عمن يعدن كل سنة بشكل دوري.
تحج آلافُ المغربياتِ إلى إسبانيا خلال موسم ِجنيْ التوت، منذ أن انطلقَ برنامجُ الهجرةِ الدائريةِ بين البلدينِ عامَ ألفينِ وسبعةٍ بخمسةِ آلافِ عاملةٍ؛ وعلى مرِّ السنواتِ بدأتْ أعدادهّنَّ تعرفُ ارتفاعًا كبيرًا، وبلغَ الرقمُ السنةَ الماضيةَ حوالي ثلاثة عشر ألفَ عاملةٍ، وحوالي اثني عشرَ ألفًا خلال العامِ الجاري، يشتغلْنَ في ظروفٍ قاسيةٍ.
شروط تمييزية
معاناةُ العاملاتِ الزراعياتِ تبدأُ حتى قبل مغادرتهنَّ بلادهنَّ، اختيارُهُنَّ يخضعُ لمقاييسَ تمييزيةٍ بالأساسِ، إذ تشترطُ إسبانيا توفُّرَ عددٍ من الشروطِ فيهنَّ، كضمانٍ لعدم ِهجرتهنَّ بشكلٍ غيرِ قانونيٍّ.
التقت هسبريس خديجة (اسم مستعار)، البالغة من العمر 32 سنة، أم لثلاثة أبناء أكبرهم تدرس اليوم في السنة الأولى جامعة؛ وهي ضحية زواج قاصرات لم يدم إلا سنوات قليلة، كان نتيجته أطفالها الثلاثة ومعاناة الليل والنهار.
لم تجد خديجة سوى مسار الهجرة الدائرية مع إسبانيا كفرصة من أجل جلب بعض المال، تعين به نفسها على إعالة أطفالها، وتمويل دراستهم؛ وتؤكد ضمن تصريح لهسبريس أن جميع العاملات بويلبا هن نساء تجمعهن صفة “تخلي أزواجهن عنهن أو وفاتهم ليكن وحيدات مسؤولات عن الأبناء”، وتابعت في حديثها مع هسبريس: “اختيارنا يخضع لشروط، أولها أن نكون متزوجات أو أرامل أو مطلقات ولنا أطفال أعمارهم أقل من 14 سنة”، متابعة: “أنا لي ثلاثة أطفال هجرهم والدهم ورفض تقديم مبالغ النفقة، وبحكم أني أتحدر من البادية لم أجد أي فرصة عمل غير هذه”.
ثاني الشروط التي يجب أن تتوفر في هؤلاء العاملات أن ينحدرن من مناطق قروية أو فلاحية. وتقول خديجة: “العمل هنا قاس جدا، لا تأتي المرأة هنا حتى تقفل في وجهها جميع الأبواب، فالضغط الموجود لا يمكن أن تطيقه؛ ناهيك عن الاستغلال بكافة أنواعه ومعاناة شتى”، وتتابع بدموع منهمرة: “أبذل كل هذا المجهود من أجل أطفالي، لا أريدهم أن يعانوا مثل ما عانيت، أريد لهم حياة هنية، وأن يتموا دراستهم لكي لا يستغلهم أحد”.
والتقت هسبريس نجاة بسيط، عضو جمعية “عاملات ويلبا المناضلات”، التي تحدثت عن تعرض العاملات الزراعيات لنوع من التمييز حتى قبل مغادرتهن للمغرب، قائلة: “هؤلاء النساء يعانين منذ خروجهن من المغرب حتى وصولهن إلى إسبانيا، بداية بمعاناة طريقة اختيارهن التي تتميز بذل كبير، ليتم تفتيشهن بطريقة تشبه طريقة تفتيش الحيوانات، إذ يتم فحص أسنانهن وأيديهن للتأكد هل فعلا سبق أن اشتغلن في الفلاحة”.
وتنتقد بسيط استهداف النساء اللائي ينحدرن من أوساط بها فقر مدقع، لا يعرفن حتى القراءة والكتابة، معلنة أنهن “يوقعن عقدا في المغرب وآخر بإسبانيا لا يعرفن حتى محتواه”.
ظروف عيش قاسية
تعمل النساء المغربيات في حقول الفراولة مدة ثماني ساعات في اليوم. يبدأ العمل في الصباح الباكر جدا في حقول تحت شمس حارقة، يزيد حدتها الغطاء البلاستيكي الذي تغطى به الحقول لحماية المحصول من الضياع؛ فالطقس هنا حار جدا، والعاملات يعملن بكد، لا فرصة للتوقف أو الاستراحة أو حتى الخطأ، فكل هفوة يقابلها “احتقار وسب بكلام ناب، وقد يصل الأمر حد الاقتطاع من أجرتهن أو توقيفهن من العمل” بحسب رواية عدة عاملات.
تروي خديجة بعضا من دروب الحياة الشاقة بحقول التوت، قائلة: “كثير من الأشياء التي يتم الاتفاق معنا بشأنها حينما نكون في المغرب لا نجدها على أرض الواقع، ولهذا يتم اختيارنا من الوسط القروي، لا نعرف القراءة والكتابة، حتى لا نفقه شيئا في الواقع”.
ومن بين الانتقادات التي تحدثت عنها خديجة ووقفت عليها هسبريس خلال زيارتها لويلبا بعد الحقول ومساكن العاملات عن جل المناطق الحيوية، سواء المتاجر أو المستوصفات أو غيرها، مع عدم توفير وسائل نقل لهن من أجل قضاء أبسط أغراضهن، بداية بشراء أغراضهن الأساسية.
وتتحدث بسيط عما تعانيه هؤلاء النسوة في هذا الجانب، قائلة: “حقول الفراولة تبعد بكيلومترات عن مركز القرية، وبالتالي لا يجدن من ينقلهن لقضاء أغراضهن، وحتى عند مرضهن لا يجدن من ينقلهن إلى المستوصف”.
ثاني الانتقادات الموجهة لأرباب العمل ترتبط بتطبيق اقتطاعات لا تدري النسوة ما سببها، أو أين يتم توجيهها. وتقول بسيط: “المفروض أن هؤلاء النساء يتقاضين 51.12 أورو لليوم، في حين أن ما يمنح لهن هو فقط 400 درهم أو450 درهما؛ وبالتالي لا يتم تطبيق الأجر القانوني”.
وتضيف المتحدثة ذاتها أنه “لا يتم توفير ظروف لائقة من حيث السكن، إذ يتم إيواء حوالي 16 أو 18 امرأة في بيت واحد، وبالتالي يضطررن إلى استعمال تجهيزاته بالتناوب، وهو ما يشكل لهن مشكلا، خاصة خلال شهر رمضان، إذ يتأخرن في إعداد وجبة الفطور”.
تحرش جنسي
التقت هسبريس عدة عاملات تحدثن عن تعرضهن للتحرش الجنسي من قبل أرباب عملهن، سواء الإسبان أو المراقبين الذين يكون أصلهم مغربي.
وتقول بسيط: “عدة نسوة هنا تعرضن للاعتداء الجنسي، سواء من قبل أصحاب الشركة المشغلة أو حتى من قبل أشخاص آخرين، مثل من يعرضون خدمات التوصيل عليهن”، داعية إلى ضرورة تشديد المراقبة.
وقالت خديجة: “نحس بالاحتقار والدونية.. يتعاملون معنا كأننا لا نفقه شيئا، وحتى من تحاول الانتفاضة أو الدفاع عن حق من حقوقها يتم تهميشها وحرمانها من ساعات العمل القانونية حتى لا تربح شيئا في نهاية الشهر؛ بل والأكثر لا يتم استدعاؤها للعمل في الموسم الموالي”، معلقة: “كما يقولون يتم وضعها على ‘الليستة نيكرا’، أي القائمة السوداء”.
عاهات مستديمة
تؤدي العاملاتُ المغربياتُ مساهماتٍ شهريةً كتأمينٍ صحيٍّ ، لا تدري أغلبهُنَّ بأمرِه، ولا علمَ لهنَّ بطريقةِ التعاملِ في حالة ِالمرضِ أو الإصابةِ في حادثٍ ما. هسبريس التقتْ عدّةَ نساءٍ تعرضنَ لحوادثِ شغلٍ لكنْ ضاعَ حقُّهُنَّ. كلثومُ واحدة ٌمن هؤلاءِ النسوةِ، قدمتْ لإسبانيا بصحةٍ جيدةٍ وباتتِ اليومَ تعاني من إعاقةٍ دائمةٍ.
التقت هسبريس كلثوم محروس بمنطقة أليمونتي بويلبا، هناك تعيش اليوم منتظرة أن تحصل على “حقها المهضوم” منذ ثلاث سنوات، إذ جاءت كما تقول لإسبانيا “على رجليها الاثنين، ولا تريد أن تغادرها مسنودة إلى عكاز”.
وروت كلثوم لهسبريس كيف انقلبت حياتها رأسا على عقب، لتضطر للقدوم إلى العمل في حقول التوت الإسبانية، رغبة في ضمان مال تساهم به في تدريس ابنها، لكن خيبتها كانت كبيرة حينما تعرضت لحادث شغل لم يتم إنصافها خلاله.
وقالت كلثوم: “أنا سيدة متزوجة وأم لأربعة أطفال، كنت أعيش حياة مترفة في المغرب، لكن فجأة انقلبت على عاقبها حينما مرض زوجي وفقد عمله ومصدر رزقه؛ حينها اضررت أنا للعمل لإعالة الأسرة، وفتحت مخبزة كانت تدر علي مدخولا جيدا، إلى أن جاءت أزمة كورونا وفقدت كل شيء”.
وتؤكد كلثوم أن فقدانها عملها جعلها تستجيب لاقتراح إحدى صديقاتها التي أقنعتها بالقدوم لإسبانيا للعمل بحقول التوت من أجل كسب بعض من المال لتدفع مصاريف دراسة ابنها”، وزادت معلقة: “ليتني لم أقدم على هذه الخطوة، فلم أحصل أي مال، بل والأكثر من ذلك فقدت رجلي”، وتتابع بدموع تملأ عينيها متذكرة الحادثة: “في أحد أيام شهر ماي أنهينا العمل في الحقل، وتم إخبارنا بأنه لن يتم نقلنا على متن الباص المخصص لنا، بل على متن الجرار، وأنا استجبت وصعدت رفقة عاملات أخريات”.
وتواصل المتحدثة ذاتها: “انطلق السائق إلا أنه تعرض لحادث كنت ضحيته الوحيدة، إذ سقطت مباشرة على قدمي، ولم أستطع الحركة، فانطلقت منها الدماء؛ وفي ظل وضعي ذاك رفض المسؤول الذي أصله مغربي أن ينادي سيارة الإسعاف”.
كما أكدت كلثوم أن نقلها كان بطريقة بدائية على متن سيارة العمل، وحين وصولها إلى المستوصف، تم إخبارها بأن حالتها تستدعي الانتقال إلى مستوصف أكبر تتوفر فيه الشروط اللازمة للعلاج، وتواصل: “الطبيبة التي استقبلتني هناك صرخت في وجه المسؤول، قائلة له عيب أن يتم نقلها هكذا، فهي ليست كلبة”، وتابعت: “بدأت شهورا من العذاب، كنت لا أتحرك، وأقوم بقضاء حاجتي في مكاني. وظللت وحدي في بيت العمل لأصدم بعد انتهاء مدة العمل الموسمي بالمسؤول يطلب مني السفر، لأرفض ذلك، فلا مال لي، إذ لم أكن أتلقى راتبي، ناهيك عن وضعي الصحي المتدهور”.
وبعد رفضها السفر دخلت كلثوم مسارا طويلا من المزايدات مع رب العمل، الذي رفض التعامل مع الحادث كحادث شغل، وأيضا الضمان الاجتماعي الإسباني ومسار العلاج، قائلة: “ضاع حقي وتم اتهامي بأني أريد الهجرة بطريقة شرعية”، لتزيد معلقة وهي منهارة بالبكاء: “أنا لا أريد الهجرة غير الشرعية، كل ما أريده هو حقي الذي ضاع. أنا اليوم لا أقوى على العمل كما كنت، ولا حتى المشي، كل ما أملكه ضاع وأريد أن يتم إنصافي”.
عبيد في القرن 21
وضعيةُ العاملاتِ المغربياتِ باتتْ قضيةً تثيرُ اهتمامَ الصِّحافةِ الإسبانيةِ، انتهاكاتٌ كثيرةٌ وثَّقَتْها وكانت موضوعَ احتجاجاتٍ شهدتْها العاصمة ُمدريد.
التقت هسبريس بيبي ميخيا، صحافي إسباني مهتم بقضايا الهجرة، وصف وضعية العاملات الموسميات بـ”عبيد القرن 21″، قائلا إن المقرر الرسمي للأمم المتحدة سبق أن تحدث عن كون هؤلاء العاملات “يعشن في وضعية تفتقر لأدنى شروط الإنسانية، ويتم التعامل معهن كالعبيد”، وتابع قائلا: “هؤلاء العاملات يتقاضين 900 أورو، في حين أن إسبانيا تربح من تجارة التوت 500 مليون أورو في السنة، وبالتالي هي أرباح طائلة وقودها نساء يغرقن في فقر مدقع”.
وانتقد ميخيا ما يمارس من “تعتيم” على أوضاع العاملات، قائلا: “ما يرى هو أن هناك عاملات موسميات يأتين للعمل في الفراولة، ويعدن لبلدانهن، لكن لا أحد يذكر ظروف عملهن، ولا الهشاشة التي يعانينها، ولا حتى الاستغلال الجنسي الذي يتعرضن له”.
رد رسمي
حملت هسبريس كل الاتهامات التي تحدثت عنها العاملات الزراعيات إلى وزارة التشغيل، المسؤول الأول عن عملية الهجرة الموسمية؛ والتقت محمد النجاري، رئيس قسم تشغيل المهاجرين واستمرار العمل بمديرية التشغيل بوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، الذي أكد أن العملية تخضع لاتفاقية تم توقيعها عام 1999 بين المغرب وإسبانيا، وتهم العمال الموسميين، وتم تحديثها عام 2001 لتشمل الهجرة الموسمية والقارة.
وأوضح النجاري أن المملكة تستقبل سنويا عروض العمل بناء على طلبات الشركات الإسبانية، قائلا إن “اختيار اليد العاملة المغربية يتم بناء على الكفاءة والخبرة في جني الفاكهة، خاصة أن المغرب اكتسب خبرة في هذا المجال، وباتت له تجربة رائدة”.
وشدد المتحدث ذاته على أنه “مع بداية كل موسم فلاحي تعقد اجتماعات مع الجانب الإسباني، حيث يتم الاتفاق على أبسط الأمور، وتحديد مراحل الرحلات وكيفية السفر والاستقبال فوق التراب الإسباني”، موضحا أن “عملية التسفير تتم بالتنسيق مع جميع القطاعات المعنية”.
كما أوضح المسؤول ذاته أن العاملات قبل الالتحاق بالديار الإسبانية يتوصلن بعقود عملهن التي تخضع للقانون الإسباني، قائلا إن “الأجانب، بمن فيهم المغربيات، يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها العمال الإسبان”.
أما عن الخطوات التي تقوم بها الوزارة لحماية هؤلاء العاملات، فأكد النجاري أن الوزارة تستقبل كل الشكايات بشكل جدي مهما كان مصدرها، متابعا: “نقوم بزيارات ميدانية، وأيضا الحملات التحسيسية حول الحقوق والواجبات لهؤلاء العاملات، وورشات توعوية بشأن التعامل في حالة التعرض للتحرش. كما تم تشغيل وسيطات مكلفات بتتبع وضعيات هؤلاء العاملات، يقدمن لهن السند ويكن إلى جانبهن في التسوق والمستشفى وغيره؛ ناهيك عن تنظيم زيارات مفاجئة للأمن والحرس الإسباني”.
هجرة غير شرعية
التقت هسبريس عددا من العاملاتِ الزراعيات اللائي قررْنا الهربَ من الضيعاتِ الفلاحيةِ واختيارِ مسارِ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ، في محاولةٍ لإيجادِ ظروفِ عيشٍ أحسنَ من تلكَ التي يعشْنَها، لكنهن يتعرضن لاستغلالٍ أكبرَ.
وفي هذا الإطار قالت بسيط: “عدة عاملات يقررن الهجرة غير الشرعية لأنهن يأتين من أجل العمل فإذا برب العمل يوقفهن خلال الـ15 يوما الأولى دون أجر، ناهيك عن أن كثيرات تتراكم عليهن الديون بالمغرب، وبالتالي يخترن البقاء هنا، لأنه لا خيار آخر لهن، فيصبحن أكثر عرضة للاستغلال، سواء من قبل رب العمل الذي يشغلهن بشروطه هو أو من قبل مغاربة يحاولون بيعهن شهادة السكنى بمبالغ تتراوح ما بين 300 و900 أورو، وآخرين يبيعونهن عقود عمل بمبالغ تتراوح ما بين 3 و5 ملايين سنتيم”.
وتطالب بسيط بضرورة تشديد المراقبة من قبل السلطات المغربية للوقوف على مدى تطبيق القانون، وأيضا توفير ظروف عيش ملائم، وتتابع: “نطالب بتقدير هؤلاء النساء، وأن يكون التقدير من المغرب قبل الوصول لإسبانيا، وألا تتم معاملتهن كحيوانات أو كأنهن دون قيمة”.
وتردف المتحدثة: “هنا بويلبا هم بأمس الحاجة لليد العاملة، لكنهم لا يريدون تشغيل العاملات وفق القوانين المعمول بها للسماح لأنفسهم باستغلالهن بكل الطرق الممكنة”.
برنامج “وفيرة”
تحاول إسبانيا محاربةَ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ لهؤلاء النساءِ، وتضعُ برامجَ للهجرةِ النظاميةِ، من بينها برنامج “وفيرة”، الذي يسمحُ بتدريبِ عشرات النساءِ المغربياتِ المؤقتاتِ في التعاونياتِ الإسبانيةِ، حتى يتمكنَّ عند عودتهنَّ إلى المغرب من بدءِ أعمالهنَّ التجاريةِ الخاصةِ بدعمٍ تقنيٍ وماليٍّ.
التقت هسبريس سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، التي بدورها طالبت بضرورة إشراك جمعيات المجتمع المدني في عملية الهجرة منذ انطلاقها في المغرب، بداية من الانتقاء؛ ناهيك عن مطالبتها بضرورة إشراك النقابات لمراقبة العملية برمتها.
وطالبت موحيا أيضا بضرورة القيام بحملات توعوية لهؤلاء النساء، بداية بحقوقهن، سواء من حيث ساعات العمل أو الأجرة وأوقات الراحة، مرورا بطريقة التصرف في حالة وقوع أي نزاع، وأيضا طريقة مناهضة أي تحرش أو استغلال جنسي، مشددة كذلك على ضرورة وضع آليات للتبليغ.
وطالبت المتحدثة أيضا بضرورة ربط مشروع الهجرة الدائرية بمشروع تنموي آخر، تتمكن من خلاله النساء من تحقيق شيء من الاستقلالية، إذ عند العودة بشيء من المال يقمن استثماره في مشاريع تنموية تكون مصدر رزقهن، للمساهمة في “التمكين الاقتصادي لهن”.
بين أصواتٍ تفضحُ الانتهاكاتِ، ونساءٍ مكلوماتٍ يعانينَ قهرًا مركبًا؛ بين مؤيدٍ لعمليةِ تشغيلِ المغربياتِ في حقولِ التوتِ الإسبانيةِ، ومن ينادي بتوفيرِ ظروفِ اشتغالٍ أفضلَ، تبقى لكلِّ عاملةٍ تجربةٌ شخصيةٌ تميزها في رحلةِ البحثِ عن لقمةِ العيشِ.
ورغم كل الصعاب أكدت خديجة أنها مع فكرة القدوم لإسبانيا، خاصة بالنسبة للنساء اللوالتي تقطعت بهن السبل جلها، ولم يجدن أي مصدر دخل في المغرب، فيما كان لكلثوم رأي مخالف، إذ قالت: “درهم في بلدي أفضل من ألف في الغربة”، مواصلة: “هنا لا يوجد أي شيء سوى الاستغلال، وإذا ما أرادت النساء تحقيق شيء ما عليهن الخضوع لرغبات المشغلين. هنا قهر كبير ومعاملة أحقر من معاملة الحيوانات”.
هسبريس