سياسة

تبون وماكرون يريدان دفع العلاقات لمستوى متميز… وبن سلمان منتظر في الجزائر نهاية الشهر المقبل

الجزائر: اتفق الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون، على دفع العلاقات بين البلدين لمستوى متميز، في مؤشر على تجاوز الأزمة السابقة التي نشبت بينهما خريف العام الماضي. إلى ذلك، تواصل الجزائر حراكها الدبلوماسي لضمان تنظيم قمة عربية بتمثيل رفيع، وهي تستعد لاستقبال ولي العهد السعودي نهاية تموز/يوليو المقبل.
وذكرت الرئاسة الجزائرية أن تبون وماكرون أجريا مكالمة هاتفية السبت، تطرقا فيها إلى العلاقات الثنائية، مؤكدين عزمهما على تعميقها، خاصة مع تقارب وجهتي نظر الرئيسين وتوافقهما الكبير على دفع هذه العلاقات إلى مستوى متميز، لا سيما بعد إعادة انتخاب الرئيس ماكرون لعهدة جديدة”. كما سمح الاتصال الهاتفي، وفق المصدر ذاته، باستعراض “عدة ملفات، على رأسها ملفا الساحل والوضع في ليبيا، إضافة إلى قضايا إقليمية ودولية ذات الاهتمام المشترك”.
ويأتي هذا الاتصال ضمن ديناميكية جديدة تعرفها العلاقات بعد إعادة انتخاب ماكرون الذي دعاه رسمياً الرئيس تبون لزيارة الجزائر. وسبق ذلك رجوع العلاقات تدريجياً إلى طبيعتها، بعد عودة السفير الجزائري إلى باريس وزوال آثار تصريحات ماكرون في سبتمبر/أيلول الماضي، التي هاجم فيها النظام الجزائري، وكان لذلك مفعول قوي على العلاقات، لدرجة توقف تبادل الزيارات والاتصالات واتخاذ قرار بمنع تحليق الطائرات الحربية الفرنسية على الأجواء الجزائرية باتجاهها إلى الساحل.
وتبدو السلطة في الجزائر متحمسة لتحسين علاقاتها مع فرنسا ودفعها لمستوى متميز، بعد فترة من التوجس والحذر ولاحقاً الخلافات، منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون نهاية سنة 2019. وقد تكون الأسباب استراتيجية هذه المرة، فالجزائر لا تريد فتح جبهة صراع مع دولتين أوربيتين في جوارها الشمالي، بعد الأزمة الأخيرة العاصفة مع إسبانيا. كما أن فرنسا حالياً ترأس الاتحاد الأوروبي، وفي إمكان الجزائر من خلال علاقاتها وتأثيرها، أن تمنع التوجه الإسباني بمحاولة معاقبة الجزائر داخل الاتحاد الأوربي نظير القرارات التي اتخذتها بشأن علاقاتها مع مدريد.
وما يشير إلى ذلك بوضوح أكبر، ما قاله وزير الخارجية رمطان لعمامرة مؤخراً في أول اتصال مع نظيرته الفرنسية كاترين كولونا، حيث شدد على تمسّك الجزائر بأن “تكون العلاقات بين الشركاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط موافقة للشرعية الدولية، وأن تكون بمنأى عن أي تأزيم نتيجة سياسات هروب إلى الأمام غير مسؤولة”. ويشير كلام لعمامرة رأساً إلى الحكومة الإسبانية التي تتهمها الجزائر بالتنصل من قرارات الشرعية الدولية والهروب إلى الأمام. ورغم أن فرنسا هي أيضاً من البلدان التي تؤيد المقترح المغربي بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية، إلا أن الجزائر تميز بين الموقف الإسباني ومواقف باقي الدول، كون إسبانيا في نظرها تبقى القوة المديرة للإقليم بالنظر لكونها المستعمر السابق الصحراء الغربية وتتحمل مسؤولية تاريخية عن مآل الوضع عقب انسحابها منه، وفق ما سبق للسفير عمار بلاني ذكره في تفصيل الموقف الجزائري.
لكن الجزائر التي تستعد للاحتفال بالذكرى الستين للاستقلال، لا تريد تحسين العلاقات مع فرنسا بأي ثمن. وفي رسالته لماكرون عقب إعادة انتخابه، أبرز تبون أن الرؤية التي يجب أن تبنى على أساسها العلاقات، تكون منطلقة من “احترام السيادة، وتوازن المصالح التي نتقاسمها فيما يتعلق بالذاكرة وبالعلاقات الإنسانية، والمشاورات السياسية، والاستشراف الاستراتيجي، والتعاون الاقتصادي والتفاعلات في كافة مستويات العمل الـمشترك”، وهذا من شأنه أن يفتح “آفاقاً واسعة من الصداقة والتعايش المتناغم في إطار المنافع المتبادلة”.
وبالمثل، تعرف العلاقات الجزائرية السعودية انتعاشاً من خلال تبادل الزيارات الرفيعة بين البلدين. وينتظر في هذا السياق، أن يزور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجزائر نهاية يوليو/ تموز المقبل في إطار جولة في المنطقة تشمل أيضاً اليونان وقبرص، وفق ما صرح مصدر سعودي لوكالة الأنباء الفرنسية. وسيكون في محور هذه الزيارة الترتيب للقمة العربية المقبلة في الجزائر ومناقشة العلاقات بين البلدين في ظل سعي الجزائر لاستقطاب استثمارات عربية.
وسرت إشاعات في الفترة الأخيرة عن إمكانية قيام السعودية بأدوار وساطة بين الجزائر والمغرب، إلا أن الجزائر سارعت لتفنيد هذه الأخبار واتهام أطراف مغربية باختلافها لمحاولة الإضرار بعلاقاتها مع السعودية. وأغلق الوزير لعمامرة الباب كلياً حول هذا الموضوع، قائلاً: “لا توجد وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً”، لوجود “أسباب قوية تُحمّل الطرف الذي أوصل العلاقات إلى هذا المستوى السيئ المسؤولية كاملة غير منقوصة”.
وعقب زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة فيصل بن فرحان للجزائر الشهر الماضي، صرح مصدر دبلوماسي جزائري بوجود تنسيق جزائري سعودي لإنجاح القمة العربية المنتظرة في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وأوضح الدبلوماسي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، أن دعم السعودية لترشح الجزائر لنيل مقعد كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي “يعبر عن ثقة المملكة التي تعتبر أن الجزائر ستكون فاعلاً مهماً في دعم الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي”.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في شباط/فبراير الماضي، قد اختار السعودية كأول وجهة عربية يزورها منذ توليه الحكم، في زيارة أعادت الانتعاش لمحور الجزائر الرياض الذي أصابه الفتور في السنوات الأخيرة بسبب تباين المواقف من قضايا عربية كاليمن ولبنان (تحفظ الجزائر على تصنيف حزب الله منظمة إرهابية) وبقاء الجزائر على الحياد في الأزمة بين السعودية وقطر.

«القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: