.

غزة: لماذا يتم الحديث عن “تطهير عرقي” تقوم به إسرائيل؟

فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967:هناك خطر كبير من أن ما نشهده قد يكون تكرارًا لنكبة عام 1948 ونكسة عام 1967، ولكن على نطاق أوسع". وأدت النكبة إلى طرد 750 ألف فلسطيني من إسرائيل الحالية، في حين أدت النكسة إلى تهجير 350 ألف فلسطيني آخرين من الضفة الغربية وقطاع غزة.

أحمد براو
    نحتاج أولاً إلى توضيح معنى التطهير العرقي:  هو “برنامج القضاء على الأقليات، الذي يتم تنفيذه من خلال إبعادهم القسري أو عن طريق اللجوء إلى أعمال العدوان العسكري والعنف، لحماية هوية ونقاء المجموعة العرقية. تم استخدام هذا التعبير قبل كل شيء للإشارة إلى الحرب الأهلية في أراضي يوغوسلافيا السابقة.”
في اليوم الأول من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحذيراً متحدياً لنحو 2.3 مليون مدني في القطاع الساحلي المحاصر: “ارحلوا الآن”، وهو يعلم أن الناس محاصرون ولا يستطيعون التحرك.
لكن مع مرور الوقت وتسريب بعض الوثائق الحساسة، تبين أن هناك اندفاعاً حقيقياً من داخل أروقة النظام الإسرائيلي لتطهير سكان غزة عرقياً باتجاه صحراء سيناء في مصر.
كشف معهد “مسغاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية، تفاصيل للخطة الإسرائيلية المرتقبة لتهجير كافة سكان قطاع غزة وتوطينهم داخل مصر وحتى في مدن بالقاهرة، مقابل مساعدات اقتصادية وصفت أنها غير مسبوقة، في ظل ما قالت إنه فرصة دولية وإقليمية مواتية. ويقول صاحب الدراسة المحلل الإستراتيجي أمير ويتمان إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر ستكون ورقة يمكن التعويل عليها لإقناعها بمخطط التهجير مقابل امتيازات مادية ضخمة.
ونشر المعهد الخطة عبر دراسة تحت عنوان” خطة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لجميع سكان غزة: الجوانب الاقتصادية”. ومن أبرز ما جاء في مضامين الخطة، أن هناك حالياً فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بالكامل بالتعاون مع الحكومة المصرية. ثم أعقب ذلك، بعد فترة وجيزة، تقرير نشرته وكالة الأنباء الإسرائيلية، كالكاليست، والذي أوجز وثيقة تقترح الإستراتيجية نفسها. لكن في هذه الحالة، حملت الوثيقة الرمز الرسمي لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية، بقيادة جيلا غامليل. وكلتا الخطتين، اللتين تدعمان نفس المخطط للتطهير العرقي في غزة من سكانها المدنيين الفلسطينيين، تسعى بشكل صارخ إلى الاستفادة من الوضع الحالي لإيجاد “حل” لـ “مشكلة غزة” بالنسبة لإسرائيل.
والفكرة هي تقديم حافز اقتصادي لمصر – على الرغم من أنه يجب أن يتراوح بين 20 إلى 30 مليار دولار، وفقًا لوثيقة مركز الأبحاث – لإقناعها بقبول النازحين.
وهناك أيضاً عنصر التوازن، وهو ما أبرزته خطة وزارة المخابرات الإسرائيلية، التي تتحدث عن إنشاء منطقة أمنية/عازلة داخل الأراضي المصرية، “بعرض عدة كيلومترات”؛ ويقترح فعلياً احتلالاً فعلياً للأراضي المصرية لغرض وحيد هو منع سكان غزة من العودة إلى ديارهم. منذ اليوم الأول للحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل ضد شعب غزة، أصبحت الخطة واضحة من خلال تصرفات نظام تل أبيب.
وقالت القيادة الإسرائيلية إنها تريد تدمير حماس، معلنة عن خططها وتنفيذها بطريقة تستهدف بشكل شبه حصري السكان المدنيين الفلسطينيين داخل غزة. في 9 تشرين الأول/أكتوبر، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بفرض حصار كامل على قطاع غزة. وقال: “لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق”، مضيفاً: “نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقاً لذلك”.
كان هناك حديث لعدة سنوات داخل دوائر السلطة الإسرائيلية عن إجبار سكان غزة على الانتقال إلى سيناء المصرية كحل، ويعود هذا الاقتراح إلى استراتيجية مماثلة، والتي اقترحتها الأمم المتحدة في عام 1950، عندما كانت غزة تحت السيادة المصرية في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
حينئد لقي اقتراح الأمم المتحدة معارضة شديدة وانهارت الفكرة برمتها بعد احتجاجات قوية ضدها. وتبدو بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، التي لا تعرف ماذا تفعل بقطاع غزة، أن هذه الفكرة أكثر جاذبية من أي وقت مضى.
إذا قرأنا ما بين السطور، فمن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية، منذ اليوم الأول، سعت إلى منع الإمدادات الطبية والغذاء والمياه والوقود والكهرباء وغيرها من المساعدات الإنسانية الرئيسية من دخول غزة. كما قامت بتجريف بعض أرقى المناطق وأكثرها شعبية داخل قطاع غزة، في محاولة لتدمير البنية التحتية المدنية في القطاع بشكل كامل.
إلى جانب ذلك، فإن الحجم الهائل من الفظائع والجرائم المرتكبة ضد المدنيين يتساوى مع أي حرب كبرى شهدناها في العقود الأخيرة، إن لم يكن أسوأ في بعض النواحي. إذا كنت حكومة تحاول إجبار 2.3 مليون شخص على الفرار من منازلهم، فستكون هذه هي الاستراتيجية لإخافتهم ودفعهم إلى الاستسلام.
ومع ذلك، هناك بعض المشاكل الكبيرة بالنسبة للنظام الإسرائيلي، الأول والأكثر وضوحا هو أن القيادة المصرية على رأسها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يعارض بشدة فكرة استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين في مدن الخيام في سيناء. أما ثاني أكبر مشكلة بالنسبة للإسرائيليين فهي حقيقة أنه في حالة حدوث مثل هذه الدفعة، فمن شبه المؤكد أن حزب الله اللبناني سيشن حربًا ضدهم من الشمال. وبينما يواصل السياسيون الإسرائيليون استخدام لغة الإبادة الجماعية والحديث عن محو غزة من الخريطة بالكامل، فإن الواقع على الأرض شيء مختلف تمامًا.
ولم تعد إسرائيل في الوضع الذي كانت عليه في عام1948، حيث كان من الممكن إخفاء جرائمها وكانت أقوى عسكريا من جيرانها العرب. وعلى الرغم من الخطاب القاسي واستمرار المذبحة ضد السكان المدنيين في غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي أصبح في أضعف موقف له على الإطلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
جريدة نبض الوطن