فنان أردني يحيي القضية الفلسطينية بجذور الشجر
لم يجد الأردني هشام شديفات، طريقة يعبر بها عما في داخله من ألم إزاء القضايا العربية وجراحها النازفة، إلا من خلال فنه التشكيلي، مستخدماً جذور الشجر والأسلاك المعدنية.
في مسقط رأسه في محافظة المفرق (شمال شرق) اختار شديفات (56 عاماً) باحة بيته المليئة بالأشجار والشجيرات المتنوعة، مكاناً يخلو به مع نفسه، باحثاً عن ذاته، وحاملاً على عاتقه الدفاع بأسلوبه الفني النادر عن قضايا البشر.
شديفات لم يكمل دراسته الجامعية، واكتسب موهبته عبر الممارسة، وحبّه لإتقان فن خارج عن المألوف، مدفوعاً بتشجيع زوجته وبناته الأربع، اللاتي يسعين في كل وقت لتوفير الأجواء المناسبة؛ كي يتمكن من ترجمة أفكاره على مجسمات يشكلها من جذور الأشجار الميتة.
وهو يروي أنه يُحسب على مدرسة الفن «الواقعي» التي تتحدث عن قضايا إنسانية ووطنية، مؤكداً أنه تعلم الفن بدافع ذاتي وممارسة «من يحب شيئاً يبدع فيه».
البداية نحت الأسلاك
عام 2005 استخدم شديفات نحت الأسلاك، وأقام معرضاً بعنوان «أسلاك مجدولة بالأمل».
ولفت إلى أن من زار المعرض واطلع على منتجاته شعر بالدهشة، والسبب على حد قوله هو أن «النحت متعارف عليه للصلصال والطين والمواد الصلبة، واستخدام الأسلاك كان أمراً جديداً وغريباً عليهم».
وفي يوم ما قرر الفنان أن يشكل من الأسلاك مجسماً للكنغر، قدمه هدية لأحد أصدقائه المقيمين في أستراليا، لكنه تفاجأ بأن الأخير قدمه هدية لسفير تلك الدولة لدى الأردن.
وتابع: «بناء على ذلك، طلبتني السفارة الأسترالية للقاء السفير، واعتمدوا مجسمي السلكي للكنغر هدية لكبار زوارهم، وطلبوا عدداً كبيراً منه».
وزاد: «عملت أصغر مجسم سلكي لخيل في العالم قبل 4 سنوات، وسعيت لإدخاله في موسوعة غينيس، لكن لم أتمكن من ذلك حتى الآن بسبب ظروف كورونا».
جذور الأشجار
وقبل 5 أعوام، وأثناء خروجه في رحلة سير (قصيرة المسافة) في إحدى المزارع والبساتين القريبة من مكان سكنه، قال شديفات إنه شاهد مجموعة من الجذور الميتة التي تخرج من الأرض نتيجة الحراثة، فاستوحى الفكرة.
وأضاف: «صرت أختار مواضيع تتحدث عن قضايا إنسانية، وأكثر ما يثيرني القضايا الوطنية والعربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والمقاومة، ومسيرة العودة، والمشاهد المؤلمة والمؤثرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني».
وعن سبب اختياره لجذور الأشجار، أوضح شديفات أنها «تعني تعلقنا بالأرض وتشبثنا بها وصعوبة خلعها، وكوني متابعاً للقضايا العربية، شعرت بأن إحياءها من خلال عمل فني، سيعزز حضورها في نفوس مشاهديها».
واستدرك: «المعروف أن الشجر يموت واقفاً، لذلك فإنني استخدم جذوره لتجسيد أي قضية فيها تأثير نفسي».
وحول طريقة التشكيل، أوضح: «أجمع الجذور من أي مكان، وأقوم بجمعها لأي فكرة موجودة أمامي وأجدها مناسبة».
وأردف: «شكل الجذور وتشعباتها المختلفة يساعدني على تجسيد القضية بسهولة ويسر، وذلك من خلال استخدام الأسلاك المعدنية إلى جانب الأخشاب».
وأكمل: «الوقت المستغرق للمجسم يكون حسب الموضوع، وإذا توفرت الفكرة التي أريد الوصول إليها تكون باقي الأمور سهلة».
وتابع شديفات: «شكل الجذرهو من يأخذني للقضية، وفي العادة التشكيل يستغرق مني من ساعتين إلى خمس ساعات».
وفيما يخص أحجام المجسمات، أوضح أن «الأحجام تتحكم فيها الجذور وتبدأ من 5 سم إلى 60 سم، وإذا طلب مني عمل كبير أجمع الجذور وأبنيها». وأردف: «أعمل وحدي وتساعدني ابنتي الكبيرة بتصوير الأعمال» مؤكداً أنه «لا يمكن لأي مجسم أن يتكرر؛ لأنه لا يمكن أن تجد تكوين الجذر نفسه، لذلك يكون تحفة فريدة من نوعها».
وشدد شديفات بالقول: «أنا لست تاجراً، ولا أبيع شيئاً، لا أتاجر بالفن والقضايا الإنسانية، فأنا أعمل بالفن لأجل الفن».
ورأى أن «لكل إنسان طريقته في أن يوصل رسالته للعالم، والفنان يعبرعن تلك القضايا بأعماله». واختتم: «أعمالي مستحدثة وغير موجودة على الساحة الفنية، وكل فنان يبحث عن ذاته وانفراديته في أعماله، والجذور شاهد عيان على أجدادنا؛ لأنها تعود لأشجار زرعوها في الماضي وهي دليل على تمسكهم بالأرض».
الأناضول