كرامة الإنسان وسلامته البدنية والنفسية، حريته، حقوقه المدنية، الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والثقـافية.. الكرامة التي لا تقبل التبعيض والتجزيء، قيمة فطرية تولد مع الفرد وتتطور معه إلى درجة تصبح مرادفة لعزة النفس ولصيقة بأنفتها.
كرامة إنسانية كهاته لا يستطيع أي أحد أن يعيش بدونها لمقاومة كل أصناف الذل والقهر، من هنا لابد أن نعيد اكتشاف أنفسنا لندرك مدى استيعابها لمفهوم الكرامة في تصوراتنا ومدى اهتمامنا بها، ولا مجال للإنفصال عنها في أي ظرف وتحت أي ضغوط محيطة أو مساومة لمصلحة، أو إغراء لمنفعة سواء مادية أو معنوية، أو خوف على فوات ميزة أو مكانة.
إذا راجعنا أنفسنا أدركنا أن الكرامة وعزة النفس والأنفة هي أرقى قيمة يملكها الإنسان بدون بطر للحق أو غمط للناس وبلا تكبر أو خيلاء، ولا يمكنه التنازل عنها أو مقايضتها. لأن ليس لها مثيل وهي أثمن من غيرها قيمة مقارنة مع المرارة والمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في سبيل نيلها أو استرجاعها.
عند مراجعة أنفسنا لإعدادها لنيل كرامتها لابد أن نطرح عليها تساؤلات من قبيل؛ هل يكون صون الكرامة مقدما على جلب المصلحة؟ أم أن المكاسب المرجوة من المصلحة تفوق الرغبة في الثبات على المبادئ والقيم المتمثلة في الحفاظ على الكرامة؟ وهل هناك مجال للتفريط في الإحساس بالكرامة قهرا، أم لا يضير أن يسقط في براثن الإذلال قصدا؟
الكرامة هدفا ساميا إذا أعددتها ونلتها بإصرار وثبات وعزيمة تبقى سامقة عُليا، لا تؤثر عليها مصالح، ولا تتضاءل أمام العقبات أو المواجهات. ولا يسمح بخدشها أو جرحها بل لا تترك ثمة فرصة لمن يحاول أن ينال منها أو ينتهكها. الذين لا يعدون أنفسهم ويربونها على مبدأ الكرامة غالبا لا عزة نفس عندهم وأخطر من ذلك لا مبادئ ولا قيم، ولا موازين للعدل والرشد، بل يؤمنون بالدونية ويتلذذون بالعبودية والتملق. للأسف أصبحت هذه المفاهيم سائدة في مجتمعاتنا المادية وأضحى تغليب المصلحة الشخصية مفهوم مجتمعي يربي عليه الآباء أبنائهم ويتنافس فيه الأسر حتى أصبح السواد الأعظم في المجتمع يفضل مبدأ الأنانية: مبدأ “مصلحتك يابني فوق كل اعتبار” بمعنى آخر لا يهمنا أي كرامة أو عزة نفس، هناك ضاعت القيم والتعاليم الدينية التي تؤسس لمبدأ الكرامة وتكريم الإنسان. قال الله تعالى “ولقد كرمنا بني آدم.. إلى قوله تعالى.. وفضلناه على كثير ممن خلقنا تفضيلا” الإسراء آية 70.
ممكن أن نعدد مبدأ الكرامة في مجالات عدة، الحقوق والحريات، والسياسة والإقتصاد، والأمن والسلامة البدنية والنفسية.. وكل مجال له جوانب ومواضيع وهوامش لكننا نقتصر هنا على موضوع إعداد النفس وتهييئها ونختبر مشاعرنا لكي نستحضر الشعور ونربي العاطفة على الإحساس بفضيلة الكرامة وضرورة التمسك بها والحذر من سلبها أو سحقها أو حتى النيل والحط منها، لأنها قد تتواجد في جميع أصناف الناس ومراكزهم الإجتماعية وقد تسلب منهم، توجد في الكبير والصغير والقوي والضعيف والغني والفقير ولكن الشريف منهم من شرّف نفسه وأعزها، وحفظ كرامته وصانها. ومن سُلبت كرامتُه يجب أن يستردها ولو تطلّب ذلك تضحيات جسيمة بالنفس والمال وعلى حساب المنصب والإغراء وكل ما يملك من غال ونفيس في سبيلها، لأنها أعز ما يملكه الإنسان، فكيف لنا أن نختبر مشاعرنا لنعرف مستوى ومنسوب الكرامة عندنا؟ هل نشعر بها بدواخلنا ونتلذذ بها في قرارة جوانحنا؟ إنها الشعور بالسعادة والحرية والسمو لا يضاهيه أي شيء آخر لا مال ولا جاه ولا منصب، إنه شعور بالخفة والانطلاق نحو الأعلى والسمو.
الكرامة الإنسانية تأتي في مقدمة الحقوق المكفولة للإنسان في الشرائع السماوية والوضعية وهي أصيلة ولصيقة ببني البشر ومتساوية بينهم وغير قابلة للتصرف أو الإنتقاص منها وهي مبدأ قار في جميع الدساتير الوطنية، وهي بالتالي حق جماعي وفردي وجب الحفاظ عليها والعمل على تعزيزها والتضامن مع من يناضل من أجلها.
أنت ماذا أعددت لها؟