
لماذا غياب الثقة بين الجمعيات والمواطنين المغاربة في إيطاليا؟
الصعوبات التي تكرس أزمة الثقة باعتبارها قيمة الرأسمال الإجتماعي والرابطة التي تجعل التجمع والتكافل والتضامن البشري ممكنا، كما أن الثقة هي أهم ما يملكه الفاعل الجمعوي نفسه ويحافظ على منسوبها عاليا ولا يسمح له بالإنخفاض ولا لها بالغياب.
ذ. أحمد براو
غالبا ما راودتني فكرة كتابة مقال حول أزمة الثقة بين الجمعيات والفاعلين الجمعويين من جهة والمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج من جهة أخرى، إيطاليا نموذجا، وترددت كثيرا لأنه موضوع شائك ولا يمكن الإحاطة بكل جوانبه إلا بعد دراسة عميقة تاريخيا واجتماعيا وتربويا، وبحثا دقيقا لتجارب مختلفة لها ارتباط بهذا الموضوع، أملا في المساهمة لإيجاد حلول تعمل على استشراف المستقبل حول ما يجب أن تنبني عليه هذه العلاقة التي أكاد أجزم أنها سلبية وغير بناءة في أفضل أحوالها، باستثناء بعض التجارب المشجعة لكنها تبقى حبيسة الزمان والمكان والفرص المواتية، ولا ترقى لتعميمها على كامل التراب الإيطالي، وقد حاولت مرارا وكتبت عدة مقالات تتكلم عن واقع العمل الجمعوي لمغاربة إيطاليا ويمكن العودة إليها في أرشيف هذه الجريدة، آخرها عنْونتُه “الجمعويون لا يجدون على الخير أعوانا” الذي لقي رواجا ومشاركة وتفاعلا كبيرا بين الجالية المغربية، وبفضل التخصص الذي راكمته منذ حوالي 25 سنة في العمل الجمعوي، ابتداء بالحقل الديني مرورا بالعمل النقابي العمالي، ثم النضال من أجل حق السكن والإدماج والحصول على الحقوق المدنية والدستورية الخاصة بالأقليات والأجانب والمغاربة بصفة خاصة، وأخيرا العمل التطوعي اجتماعيا وثقافيا خدمة للجالية المغربية المقيمة بجنوب إيطاليا، على أيٍّ كانت هذه التجارب المتراكمة وضرورة تنوير الرأي العام الوطني المغربي المكون للجالية المغربية هي الدوافع لمواصلة الكتابة حول هذا الموضوع، وبالضبط حول الصعوبات التي تكرس أزمة الثقة باعتبارها قيمة الرأسمال الإجتماعي والرابطة التي تجعل التجمع والتكافل والتضامن البشري ممكنا، كما أن الثقة هي أهم ما يملكه الفاعل الجمعوي نفسه ويحافظ على منسوبها عاليا ولا يسمح له بالإنخفاض ولا لها بالغياب.
– واقع السمعة السيئة للجمعيات
ثم إنه ما دفعني بطريقة مباشرة أيضا للشروع في كتابة هذا المقال هو الواقع البئيس والسمعة السيئة المتفشية بين العامة وخلال مشاهدتي لأحد الفيديوهات “اليوتيوبية” المتداولة بكثرة خصوصا لدى جالية الجنوب الإيطالي لأحد النشطاء في الميدان ينتقد فيه عمل المؤسسات القنصلية المغربية حول مدى صعوبة حصول المغاربة المتواجدين بإيطاليا بطريقة غير شرعية على جوازات سفرهم. وصبّ جام غضبه على كل الجمعيات مدعيا أنه لا توجد هناك أي جمعية في إيطاليا تعمل على تقديم الخدمات للجالية وتسهل عليهم الصعوبات وتستمع لمشاكلهم وهمومهم، وتعمل على إيجاد الحلول المناسبة لتمكين هذه الفئة الفعالة المتواجدة بين المواطنين المغاربة المقيمين بإيطاليا، وكأنهم ليسوا مغاربة اصلا فقط لأنهم بدون أوراق، والطامة الكبرى هو حجم المتابعة الكبيرة والإعجاب بعدد الألوف، والإتفاق التام مع أفكاره وآراءه التي يهاجم فيها الجمعيات ويبخس مجهودات الفاعلين الجمعويين وتضحياتهم، وللأسف تغلب مثل هذه الأفكار على الغالبية العظمى من أفراد الجالية ولا تكاد تسمع إلا نادرا من يشيد بأدوار الجمعيات المغربية وما تقدمه من منافع ومصالح بدون مقابل، فيما تكال لها الإتهامات بالإختلاس والفساد والإستغلال وسوء التدبير.
أنا هنا لست بصدد الدفاع عن النشطاء والفاعلين والمتطوعين الجمعويين لأنهم بشر يصيبون ويخطؤون ولكن يجب على الشخص أن يوطّن نفسه قبل إصدار الأحكام ولا يكون إمّعة يسير مع العامّة ويصدّق كلما يقال بدون أدلة تثبت الدعاوى فيما يجب أن يتبيّن من كل ما يروّّج له.
– اتهامات باطلة وظنون جاهزة
كلنا نعلم أن العمل الجمعوي لمغاربة الخارج وخاصة بإيطاليا يخضع لقوانين منظمة ودفاتر تحملات وتسجيل ومراقبة، ويمكن لأي شخص الإطلاع على مدى شرعية وقانونية أي جمعية تنشط في المجتمع المدني وبأقل التكاليف يستطيع الباحث أن يقف عن مدى الأنشطة التي تقوم بها تلك الجمعيات وحتى معرفة تفاصيل مجلسها الإداري والتسييري وعدد أعضاءها وميزانيتها والتأمين لمنخرطيها والموقع الرسمي للجمعية وكل مايتعلق بما تقوم به من نشاط وخدمات واتصالات.. لكن المؤسف أن الغالب هو تفشي ثقافة الرأي السائد ولو عن جهل وبدون عناء البحث والتحقيق وبالطبع لا تأتي الإشاعة إلا من متحامل حقود أو فاشل لا يحسن سوى إساءة الظنون. لا أعلم من أين تأتي تلك الإتهامات الباطلة باختلاس الأموال وكيف تمكّن المدّعون من بناءها بدون الإطلاع على ميزانيات الجمعيات ومداخيلها ومصاريفها، ومن أين تحصل على الدعم وكم تجمع من التبرعات، وعندما تسأل عن مصدر المعلومات وحقيقتها لا يستطيعون الإجابة أو ينسبونها لأطراف أخرى ربما تكون على عدم توافق أو تفاهم مع أحد المسؤولين عن الجمعية. وأحيانا يجزمون أنه لا يمكن للناشط والفاعل الجمعوي أن يشتغل بدون مقابل ولابد أنه يسرق من أمانة الصندوق الخاص بالتمويل ويستحوذ على النصيب من المبالغ التي تتحصل عليها تلك الجمعيات، تلك إذن هي الإجابات الجاهزة لتبرير اتهاماتهم الفارغة من المضمون والعارية عن الحقيقة.
– سبل بسيطة لبناء الثقة
ليس هناك وصفة جاهزة قادرة على إعادة الثقة في الجمعيات ولكن من المهم أن تكون هناك إرادة متبادلة أولا لتقريب إدارة وخدمات تلك الجمعيات وطريقة التسيير من المواطنين بإحداث لقاءات دورية عامة لشرح طريقة التسيير وتراتبية العمل ونشر الدوريات حول الميزانية والتقارير الأدبية والمالية، وبث روح الشفافية والنزاهة بين المنخرطين والأعضاء والمسيرين، ولا تكون الجمعية هيئة مغلقة ومنغلقة، بحيث وجب عليها أن تقوم بالمهام وبالخدمات حتى تصل للمستفيدين منها، ولم لا الإستعانة بمكتب إعلامي يكون ذا كفاءة عالية في التواصل ونشر المعلومة، وما يدور داخل ردهات مقر الجمعية بوضوح وشفافية وإتاحة الفرصة لاستقبال التساؤلات وسرعة الإجابة عنها. إذن فالمسؤولية مشتركة ولاستعادة الثقة بين الجمعوي والمواطن يقع النصيب الأكبر على الفاعل الجمعوي لأنه هو المضحي بأوقاته وأمواله وفكره وهمومه من أجل العامة ليقوم بهذا العمل الجليل الذي يستحق التنويه والشكر والإعتراف بالجميل.
هذا ما جاد به قلمي في موضوع شائك وصعب الحديث عنه وعساي أكون قد ساهمت ولو باليسير في فك أحد شفرات هذا المشكل الكبير الذي تعاني منه الجالية المغربية بإيطاليا واستطعت بالتالي فتح نقاش بين الجمعيات العديدة والمنخرطين والمواطنين بصفة عامة للإعتراف بأنه هناك أزمة ثقة تؤثر على مسار العمل الجمعوي وتحط من قيم فعاليات المجتمع المدني وتجعله دائما يتخبط في دوامة من التهم والنفور وانعدام الثقة وضعف الإستقطاب للكفاءات المسيرة، وانخراط أقل للمتطوعين.
عن إيطاليا تلغراف