
لماذا فرضية فوز مارين لوبان برئاسة فرنسا واردة؟
لندن : هل يمكن لمرشحة اليمين القومي المتطرف مارين لوبان خلق المفاجأة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجري هذا الأحد؟ إنه السؤال الذي يردده الكثير من المراقبين الذين يستحضرون مفاجآت سياسية مثل فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ثم فوز أنصار البريكسيت. ومهما كانت النتيجة، فقد تغيرت فرنسا سياسيا بعدما اقترب أنصار اليمين المتطرف من نصف الناخبين وتجاوز الرافضون للوضع الحالي 65%.
ونشرت الجريدة الرقمية الفرنسية “سلات” منذ أيام مقالا لغايل بروستيي من مؤسسة جان جورس يبرز أنه “منذ فوز ترامب سنة 2016 وكذلك البريكسيت، يجب الاستعداد للمفاجآت يوم الفرز الانتخابي”. والواقع هو سيادة نوع من التوجس والترقب وسط المجتمع الفرنسي بشأن ما قد تسفر عنه الانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل من احتمال فوز اليمين القومي المتطرف بزعامة مارين لوبان. وتوجد عناصر جديدة تجعل هذا الاحتمال وارد وهي:
في المقام الأول، لأول مرة ومنذ ترشح اليمين القومي المتطرف إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية، يكون الفارق حسب استطلاعات الرأي هو سبعة نقط ولا تنخفض عن ثلاثة ولا تتجاوز عشرة في أقصى الحالات. بينما كانت استطلاعات الرأي تشير في الدور الثاني لسنة 2017 إلى فارق يتجاوز 30 نقطة لصالح إيمانويل ماكرون.
في المقام الثاني، ميل مارين لوبان إلى نوع من الاعتدال في خطابها، فقد أصبحت تقترب من مواقف اليمين المحافظ في عدد من الملفات ومنها الهجرة وتعمل على تغليب المواضيع الاجتماعية التي تقلق بال الفرنسيين، وعلى رأسها تدهور الأوضاع المعيشية جراء تطبيق رؤساء فرنسا خلال العقدين الأخيرين ليبرالية متوحشة تخلف المزيد من الفقراء وخاصة وسط الطبقة المتوسطة. وهذا ما جعل القلق يغيب نسبيا وسط المجتمع الفرنسي، إذ أن ما يفوق 40% من الأصوات لمارين لوبان يعني بدء استعداد المجتمع الفرنسي تقبل رئيس من اليمين القومي المتطرف.
في المقام الثالث، بدء قبول تيارات في الدولة العميقة في فرنسا فرضية وصول اليمين القومي المتطرف الى رئاسة البلاد لإعادة صياغة الكثير من أسس الدولة. وكانت تيارات في الدولة العميقة الأمريكية وراء ترشح ترامب، حيث كان قد وقع مئات الجنرالات في التقاعد والاحتياط رسالة تأييد له اعتقادا منهم أنه أحسن مرشح قد يعمل على مواجهة الصين وإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي. وكان 20 جنرالا فرنسيا في الاحتياط والتقاعد وعشرات الضباط ومئات الجنود قد وقعوا السنة الماضية رسالة قريبة من مواقف ماري لوبان تطالب بإعادة صياغة أسس فرنسا سواء الداخلية أو الخارجية. وحصلت ماري لوبين على فارق لصالحها يتجاوز 20 نقطة عن باقي المرشحين في تصويت الجنود في الثكنات العسكرية. وأصبح لمارين لوبان أنصار وسط مختلف مؤسسات الدولة مثل الدفاع والدبلوماسية والأمن والضرائب.
في المقام الرابع، يبقى الخطر على إيمانويل ماكرون والذي يصب في صالح مارين لوبان هو التغيير العميق في الخريطة الانتخابية في فرنسا التي تبرز التغيير الكبير في رؤية الفرنسيين للأحداث. في هذا الصدد، شكل فوز ماكرون سنة 2017 برئاسة البلاد منعطفا كبيرا بحكم أنه لم يترشح باسم الحزب الاشتراكي أو اليمين المعتدل المحافظ، وهذا أكد وقتها رغبة الفرنسيين في التخلي عن الطبقة السياسية الكلاسيكية. وهذه المرة، لم تتجاوز آني هيدالغو مرشحة الحزب الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه فرانسوا ميتران 2% في هذه الانتخابات، ولم تتجاوز فاليري بيكريس مرشحة اليمين المحافظ الذي كان ينتمي إليه جاك شيراك 5% من الأصوات. وهكذا، فالأصوات الكلاسيكية الراغبة في الحفاظ على الوضع الحالي هي أصوات إيمانويل ماكرون والاشتراكي واليمين المحافظ، ولا يتجاوز 32% من الأصوات، في حين أن نسبة الأصوات الراغبة في التغيير الحقيقي تصل إلى 65% بما فيها أصوات اليمين المتطرف التي تعد ب 23%، وفق الجولة الأولى. وعليه، من العناصر التي تؤكد التغيير الحاصل في المجتمع الفرنسي هو أن نسبة تتجاوز الثلث من ناخبي لوك ميلونشون المنتمين إلى اليسار تؤكد تصويتها لمارين لوبان، وهو ما يحصل مع أحزاب أخرى بل وتصل إلى الثلثين مثل ناخبي إريك زمور الذي بدوره يعد من اليمين القومي المتطرف.
إن نسبة الرافضين للوضع السياسي الحالي والمنتمين إلى مختلف التوجهات السياسية هي الفئة القادرة على خلق مفاجئة على شاكلة ترامب والبريكسيت في انتخابات الرئاسة هذا الأحد.
-“القدس العربي”