معانات مسلمات إيطاليا في منعنهن من ارتياد المساجد
ذ. أحمد براو
– تقعيد شرعي لحضور المرأة للمسجد
من بين الأحكام التي تخص النساء دون الرجال ما يتعلق بالمساجد، فليس واجب على المرأة حضور الجماعة في المسجد ولكن يباح لها الخروج لحضورها، لأداء الصلاة المكتوبة، أو لسماع الموعظة إذا أذن لها زوجها أو وليها من أب أو أخ أو غير ذلك، شرط أن تستتر جيدا بحجاب شرعي وجلباب ساتر وألا تتطيب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا شهدت إحداكن المسجد؛ لا تمس طيباً”.
وعن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : “لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم” فقال بلال: والله لمنعهن. فقال عبد الله: أقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وتقول أنت: لنمنعهن؟! قال: والله لا أكلمنك، فما كلّمه عبد الله حتى مات.
– أهمية أخذ النساء بهذه الرخصة
من هذا المنطلق الشرعي يتبين أن النساء المسلمات المهاجرات بإيطاليا، عليهن أن تأخذن هذه الإباحة مأخذ الجد، ويستفدن من هذه الفسحة الدينية من أجل الذهاب إلى المسجد إذا كان بإمكانهن ذلك خصوصا أنهن أحوج الآن إلى واعظ سيما وقد انتشرت فيهنّ البدع والمنكرات، واعتقاد الأضاليل، ومخالفة الأزواج، وما لا يحصى من المحظورات. ومما يجب على القائمين على المراكز الإسلامية والمساجد هو توفير الظروف المواتية لكي تندب النساء إلى المساجد خصوصا في الجُمعات وعند إلقاء الدروس الأسبوعية، لأنهن في حاجة ماسة للتفقه في دينهن وتعليمه للأبناء والبنات. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص النساء بلقاء أسبوعي يعلمهن أمور دينهن. روت أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النساء يخرجن في الفطر والأضحى، والعواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين.
وبما ان النساء شقائق الرجال فينبغي عند بناء المساجد أن يوضع في عين الإعتبار أنها دور تربية وتهذيب وتعليم لعامة المسلمين والمسلمات، فلا تكون أبوابها مفتوحة للرجال دون النساء، ولا يوجد سند شرعي لأن يجني الرجال وحدهم ثمرات المساجد، في حين تظل المرأة بمنأى عنه. فقد فسحت الدعوة الإسلامية الأولى في المسجد النبوي صدرها للمرأة، لكي تحضر الجمع والجماعة وتشهد دروس العلم في عصر كانت المرأة مخلوقاً لا حق له في العلم وفي المشاركة في الحياة.
هناك عدة وقائع تدل على أن المرأة كانت من رواد المسجد مثل المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد ولما توفيت افتقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علم بأمر وفاتها عاتب الصحابة على عدم إخباره بأمرها وذهب لقبرها وصلى عليها بأبي هو وأمي، بل كان يجلس إلى النساء ويقبل عليهن، يجيب السائلة ويهدي الحائرة ويرشد المرأة إلى النهج القويم. وكان للمرأة ندا بالرجل في شتى فنون العلم والأدب، تعلمت كل ذلك في المسجد والتزمت بالصدق في العلم والأمانة في الرواية، فهناك عدة أحاديث مروية عن صحابيات جليلات.
– واقع مساجد إيطاليا يعري النمطية الذكورية للمسلمين
للأسف يظهر جليا أن المساجد في إيطاليا رغم توفر بعضها على أجنحة للنساء غالبيتها في غرف محكمة الإغلاق، ولا تستجيب للظروف الملائمة حتى تشجع النساء على الإتيان والحضور، فالغالب على القائمين عليها عقليات ذكورية، كثيرة الإحتراز من مجيئهن للمسجد ولا يحبذن الإختلاط مع الرجال المسلمين.
وفي نفس الوقت يسمح الأزواج لهن بالذهاب للتسوق في المتاجر والأسواق التي تكتظ بغير المسلمين ومنهن من يشتغلن في أماكن الإختلاط وحتى بعض البيوت كمربيات ويقدمن الخدمات للمسنين، فيما يتساهل بعض الأزواج والآباء إذا كان الأمر يتعلق بالعمل والكسب ويتركونهن ربما في خلوة مع الرجال الأجانب.
هناك في إيطاليا شبهات كثيرة أن المرأة المسلمة مضطهدة وتعاني من التمييز في التعلم والتدين وأداء الشعائر، رغم أن هذا بعيد عن الحقيقة لكن الواقع في مساجدنا ومدارسنا توحي بحقيقة هذا الأمر، فكم من مرة سألني بعض الإيطاليين لماذا لا نسمح للنساء بالصلاة مع الرجال في المساجد وبالذهاب للمدارس لتعلم اللغة ومحو الأمية، فأجد نفسي أدافع عن أمر واقعه يكذبه. لما أسست المركز الإسلامي بمدينتي كان من أول ما فكرت فيه هو مكان لائق للنساء، لكن مع مرور الوقت وانشغالاتي الأخرى بدأت تغييرات حتى انقرض ذلك المكان المخصص للنساء وبدأت النساء تتقلص حتى لم تعد تأتي ولا واحدة وللأسف حتى صلاة الجمعة، فآلمني ذلك كثيرا، وتكلمت مع القائمين عليه على ضرورة إعادة النظر، لكن لا حياة لمن تنادي.
– دعوة لإعادة النظر فهل من مجيب؟
أزعم وأنا أكتب هذه السطور أن المشكل لا يوجد فقط في مدينتي بل زرت العديد من المساجد على صعيد العمالة والجهة ولاحظت هذا النقص الجلي في تخصيص حق للنساء في الحقل الديني وأتساءل لماذا لا يبادرن هن كذلك بأخذ زمام الدفاع عن حقوقهن ليس فقط في إيجاد مكان للتعبد والتفقه، أو في الدعوة والإرشاد فهناك نساء أعطاهن الله موهبة الدعوة والموعظة أفضل من الرجال.
هذه دعوة صريحة ومخلصة وليس فقط مقال رأي، بل هي محاولة فك شفرة معضلة لابد أن تجد آذانا صاغية وألا تكون صرخة في وادي، لأن الأمر يتعلق بنصف المجتمع، ومربي النصف الآخر فلهن الحق في النهل من معين العلم والفقه والتعبد والتدين الصحيح، وفي الإلتزام بالقيم والمبادئ الإسلامية من أجل غرسها في النشء في هذا البلد، إذا أردنا أن نبني مستقبلا ناجحا للجالية المسلمة بإيطاليا.
فيا رؤساء المراكز ويا أئمة ويا مسؤولين، لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وذكروهن وعلموهن وفقهوهن واعلموا أنكم ستسألون عن ذلك، “فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله”.