
ثقافة و فنونمجتمعمقالات
معتنقوا الاسلام بإيطاليا بين النقاش والجدل
يعتبر اعتناق الإيطاليين للإسلام أحد الظواهر المتنوعة والمتجذرة من جانب والمبهمة الخفية من جانب آخر وقد انطلقت هذه العملية منذ بداية القرن الماضي إبان استعمار إيطاليا لدول القرن الإفريقي وليبيا بسبب احتكاكهم بالثقافات والتقاليد والعادات الإسلامية التي تتميز بها تلك المجتمعات، وتبقى هذه العملية على العموم دون اهتمام كبير وبحث عميق وإحصائيات دقيقة نظرا لقلة عدد المعتنقين للإسلام في تلك الحقبة من جهة، ولأن أعداد أخرى كانت تخفي ذلك خوفا من ردود الفعل داخل البلاد والأسرة ولأن الجو العام والعرف المجتمعي وتعلق الطاليان بالتعاليم الكنَسيّة لا يقبل ذلك خصيصا عندما يتعلق الأمر بالإسلام، لدرجة اعتبار ذلك عار وخيانة للصليب والكنيسة، فأصبحت أعداد كبيرة منهم تخفي إسلامها وتحجم عن إعلان تحولهم للدين المحمدي، حتى صار هذا الأمر عادة درج عليها العديد منهم خاصة من الطبقات العليا والمتوسطة واستمر ذلك حتى يومنا هذا.
– نشأة وتزايد أعداد المعتنقين للإسلام
ورغم ما دأب عليه الإعلام والفن والسينما الإيطالية التي بلغت ذروتها أواسط القرن الماضي من تصوير مشوه للإسلام والمسلمين وتقديمهم نمطيا لدى المخيلة الثقافية في المجتمع الإيطالي وإظاهر العرب والمسلمين كبدو أغبياء ورحل سذج لا حضارة لهم ولا مدنية يعيشون في الخيام ويتنقلون بالجمال وقد يتعجب القارئ إذا ما علم أن هناك بعض الإيطاليين إلى يومنا هذا لا زالوا يسألون المهاجرين العرب هل عندهم في بلدانهم البنايات والطرق والشوارع وصنابير المياه وبعض المنتجات الزراعية!!!؟
إلا أن الأمر ما لبث أن تغيّر بعد ظهور موجات الهجرة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي عند وصول الطلبة العرب من فلسطين والشام ومصر واستقرارهم في شمال ووسط إيطاليا واحتكاكهم مع الطلبة والطالبات من أبناء البلد، بدأت نواة الجالية المسلمة تنشط اجتماعيا وثقافيا ودينيا وانتشرت دور العبادة وتكونت الجمعيات والمراكز الثقافية الإسلامية فأصبحت ملاذا وملجأً للراغبين في اعتناق الإسلام خصوصا الشباب والنساء والمثقفين والنخبة الباحثين عن التصوف والتدين والإشباع الروحي وعن حقيقة هذا الدين الدخيل عليهم الذي يتميز بهذه الخصال وعن غيرها من التغذية الروحية، ولتلبية رغبة كامنة في أعماقهم للشعور بالاستقرار والراحة النفسية، وبما أن الإيطاليين مجتمع عاطفي ومعظمهم رهيفي الإحساس يتعاطفون مع من يتعرض للظلم والإضطهاد فقد تعاطفوا مع قضايا المسلمين في فلسطين وأفغانستان إبان الغزو السوفياتي والبوسنة والعراق، كما كان لموجة الهجرة الثانية لمسلمي شمال إفريقيا خاصة المغاربة إبان الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي دور كبير في ازدياد عدد المعتنقين للإسلام وتزايد أعداد الزيجات المختلطة والزواج بالمسلمين وهو ما ضاعف عددهم زد على ذلك اقتناعهم بما يتميّز به المسلمون من قيَم روح المجموعة والتقارب الاجتماعي، وما تأمر به تعاليم الإسلام من مساواة ومحبة وعدل وإخاء بين المسلمين وهو أكثر ما يجذب الإيطاليين إليه، هذا بجانب اهتمام الإسلام بالإنسان وبنائه الروحي، وهذا ما يفتقد إليه الأوروبيون عموما والطليان خاصة في حضارتهم المادية.
– أعداد المسلمين الجدد وأشهرهم
في إيطاليا يمثّل المسلمون حوالي (2,8 مليون)، أو 4،5٪ من السكان المقيمين في إيطاليا، وتشمل هذه الإحصائيات كلاً من المواطنين الإيطاليين 1،3 مليون والمقيمين بجنسية أجنبية 1،5 مليون أما بالنسبة للمكون المسلم من السكان فتحتل إيطاليا مرتبة أقل من المتوسط الأوروبي ، أي ما يعادل 6.8٪ ورغم ذلك يحتل الإسلام المرتبة الثانية كأكثر الديانات انتشارًا في إيطاليا. فيما يراوح عدد المعتنقين حوالي ال 9 بالمائة أي 250 ألف للإشارة فنسبة العنصر النسوي من المعتنقات تفوق الذكور. وحسب التقديرات سيصل عدد المسلمين لعشرة بالمائة من التعداد السكاني بإيطاليا سنة 2050 بسبب النمو الديموغرافي للمسلمين والذي تشجعه الحكومات الإيطالية بعد التحذيرات المتكررة من تدني المواليد في صفوف الإيطاليين.
لا توجد هناك هيئات تنظم شؤون المعتنقين للإسلام على الصعيد الوطني باستثناء اتحاد المنظمات الإسلامية الإيطالية أوكويْ التي تحاول إدماجهم داخل المراكز والجمعيات وينتمي لها عدد كبير منهم ولعل أشهرهم الدكتور حمزة روبيرطو بيكاردو أول مترجم للقرآن للإيطالية والذي سبق أن تولى رئاسة الإتحاد، كما تستقطب الجماعات الصوفية عدد كبير من الإيطاليين المعتنقين للإسلام ينشطون خاصة بالجامعات وفي صفوف النساء وأشهرهم ما يسمى بجمعية “كوريس” التي كان يترأسها المرحوم الدكتور عبد الواحد بالافيتشيني والآن ابنه يحيى، ثم الكاتب العام للكنفدرالية الإسلامية عبد الله ماسيمو كوتسولينو الذي يقود أحد أكبر الهيئات حاليا، كما تنشط أعداد لابأس بها من الراجعين للإسلام لعل أهمهم الوزير السابق فيصل ألفريدو مايوليز مع جماعة الدعوة والتبليغ وأصبح داعية، فيما يعتنق المذهب الشيعي عدد قليل كان اشهرهم إدواردو أنييللي أحد أبناء مالك شركة فياط والنادي الرياضي يوفنتوس تورينو الذي توفي في ظروف غامضة. وتبقى طبقة المتزوجين عن طريق الزواج المختلط هم الطبقة الغالبة لمعتنقي الإسلام بإيطاليا بحيث ما يلبث إسلامهم إلا وثيقة في ملف أو حبر على ورق، نحملهم على ظواهرهم وحسن إسلامهم والله أعلم بسرائرهم.
– غياب الحقوق المدنية للمسلمين تعرقل عملية إعتناق الإيطاليين للإسلام
غالبا ما يتردد على المراكز والمساجد الإسلامية رجالا ونساء وشبابا إيطاليون يسألون عن الأئمة ويبحثون عن أجوبة لتساؤلاتهم حول المسار الذي يجب عليهم اتخاذه وتتبعه حتى يتسنى لهم اعتناق الإسلام، والملاحظ للأسف هو غياب استراتيجية عمل وتنظيم جيد لهذه العملية بحيث تبقى الإرتجالية والعشوائية والتخبط هي السمة الغالبة التي تطبع هذه المرحلة المهمة التي يجب أن تكون منظّمة وسلسة لأنها تعتبر النافذة الأولى التي ينفذ منها المعتنق للإسلام والتي تبقى راسخة عنده لدرجة ممكن أن تؤثر على تحوله ودخوله هذا العالم الجديد، كما تلعب البيئة المحتضنة للمسلم الجديد وتعطي المؤلفة قلوبهم المكانة اللائقة بهم من حيث الإكرام والمودة وأهم من ذلك المتابعة والملاقاة والتزاور وعدم القطيعة حتى لا تندثر حرارة الإحساس بالإنتماء للأمة والجماعة المسلمة ولكي يشعر المسلم الجديد بأن له إخوة في الدين يكنون له الحب في الله وأنه صار أحد منهم يشدون معه البنيان المرصوص ويربطون معهم أواصر العقيدة، يتعلم منهم ليس فقط شؤون العبادة وفروض العين بل كذلك أصول الدعوة وأسس التوحيد وشمائل الأخلاق والقيم.
لاشك أن تلكؤ السلطات الإيطالية في إبرام اتفاقية التفاهم مع الطائفة الإسلامية يعرقل هذه العملية وغيرها وفي غياب القوانين المنظمة لشؤون المسلمين الدينية، وتسمح المادة 8 من الدستور الإيطالي لممثلي كل طائفة دينية غير كاثوليكية بالتوقيع على اتفاقية مع الدولة لتنظيم علاقاتهم وتحديد أوجه الدعم المتبادل.
وحالياً، الكنيسة الكاثوليكية هي الوحيدة التي تحظى بوضع خاص في المعاملة وذلك منذ العام 1929. أما المجموعات الدينية الأخرى، فإن أي مطلب باتفاقات مع الدولة تتبعها عملية سياسية وإدارية طويلة، ويشترط موافقة الحكومة والبرلمان عليها.
وبالفعل هناك مجموعات دينية استفادت بالفعل من مثل هذه الاتفاقات، وعلى رأسها المذاهب المسيحية بمختلف انتماءاتها، إلى جانب المجموعات اليهودية والبوذية والهندوسية، أما بالنسبة للإسلام و الجاليات المسلمة، فلا تعترف الدولة الإيطالية رسميا بأي منها.
ويجادل البعض بأن الدولة الإيطالية تهدف إلى سد هذه الفجوة في عام 2005 من خلال تحسس الطريق نحو التواصل مع مسلمي البلاد، فأطلقت هيئة “كونسولتا”، وهي هيئة استشارية تتألف من 16 عضوا من الجالية الإسلامية التي اختارتها الحكومة، ومع ذلك، فإن هذا المشروع الهادف، الذي بدأه وزير الداخلية الأسبق جوزيبي بيزانو، لم يؤد إلى أي إجراءات متسقة وبعده أعلن الوزير ألفانو تشكيل ماسمي “إسلام إيطالي” يتماشى بشكل أكبر مع التقاليد المسيحية والإنسانية للبلاد.
وبعده مباشرة في فبراير 2017 وقع وزير الداخلية السابق ماركو مينّيتي (من الحزب الديمقراطي) الميثاق الوطني للإسلام الإيطالي مع ممثلي المسجد الكبير في روما والأوكوي وبعض ممثلي جمعيات وجاليات إسلامية، وذلك خلال اجتماع بمقر وزارة الداخلية.
هذا التلكؤ في القوانين الإيطالية الخاصة بالمسلمين، ما جعل مجهود العاملين في هذا الحقل يتضاعف بسبب كثرة المشاغل وضغط الملفات التي يجب على النشطاء والفاعلين والمتطوعين في المجال الجمعوي والديني والثقافي والتنظيمي لأمور الجالية المسلمة في غياب الموارد المادية والبشرية والكفاءات التي تساهم بإخلاص وتفاني ونكران للذات لكن يبقى عملها محمودا يحتاج للدعم والتشجيع عوض الخوض في الأعراض ويحتاج أكثر للإرشاد والنصح عوض الإنتقاد والتبخيس.