
مع اكتمال المليار الثامن لسكان الأرض فرص وتحديات
في الخامس عشر من شهر نوفمبر المقبل سيبلغ عدد سكان الأرض رسميا 8 مليارات، وفق التوقعات السكانية العالمية لعام 2022، كما جاء في تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان صدر مؤخرا. وستعقد الأمم المتحدة احتفالية بهذه المناسبة تشير فيها إلى أهمية المناسبة وتدعو إلى حلول للتحديات التي يواجهها عالم اليوم في موضوع التقلبات الديموغرافية وعدم التوازن في النمو السكاني بين قارة وقارة وبين بلد وآخر وداخل البلد الواحد، خاصة تلك البلدان التي تضم أعدادا كبيرة من المهاجرين والأقليات.
ويشير تقرير التوقعات السكانية العالمية، الذي صدر بالتزامن مع اليوم العالمي للسكان، إلى أن عدد سكان العالم ينمو بأبطأ معدل له منذ عام 1950، بعد أن انخفض إلى أقل من واحد في المئة منذ عام 2020. كما أن نسبة الخصوبة انخفضت بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة بالنسبة للعديد من البلدان، فاليوم يعيش ثلثا سكان العالم في بلد أو منطقة تقل فيها معدلات الخصوبة عن 2.1 مولود لكل امرأة، وهو تقريبا المستوى المطلوب لنمو صفري لسكان العالم، على المدى الطويل، آخذين بعين الاعتبار انخفاض معدل الوفيات عالميا.
والوصول إلى 8 مليارات وراءه قصص نجاح عديدة تتعلق بتباطؤ النمو السكاني في العقود الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الرقم يعني زيادة في العناية الصحية وخروجا لمئات الملايين من دوائر الفقر، وانخفاضا في نسبة وفيات الأطفال وتأخيرا في سن الزواج وانخفاضا في نسبة الإنجاب، وارتفاعا في معدل التوقعات العمرية.
تباطؤ النمو السكاني عالميا يعتبر قصة نجاح مهمة، فنسبة الذين يتمتعون بصحة جيدة ويعمرون سنوات طويلة تتجاوز الخامسة والستين أكثر مما شهدته القرون السابقة
إن تباطؤ النمو السكاني عالميا يعتبر قصة نجاح مهمة، فنسبة الذين حصلوا تعليما متوسطا وعاليا أعلى من اي وقت مضى، ونسبة الذين يتمتعون بصحة جيدة ويعمرون سنوات طويلة تتجاوز الخامسة والستين أكثر مما شهدته القرون السابقة. فالاستثمار في الإنسان هو الحل لمشكلة التزايد السكاني غير المنضبط، فمنذ ربطت قضية السكان بالتنمية المستدامة في مؤتمر القاهرة الدولي للسكان عام 1994، والإنسانية تتجه نحو حماية وخيارات حقوق الشعوب في التمتع بحياة صحية بما في ذلك الصحة الإنجابية، وزيادة التحصيل العلمي وإعطاء الزوجين حرية الاختيار في موضوع عدد الأطفال، وتباعد المسافات بين حالات الإنجاب وتعميم ثقافة التركيز على النوع لا على الكم. لقد أقر برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 بأن تمكين المرأة والمساواة الكاملة لها واستقلاليتها، هي عناصر ضرورية لتحقيق التقدم على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية. إن التحديات التي يواجهها سكان الأرض الآن تتعلق بالفقر والتغيرات المناخية وفرص التعليم وتأمين فرص العمل، وهذه تحديات لا يمكن لبلد أن ينتصر عليها بمفرده ولا مناص من العمل الجماعي والتسيق الأممي والترشيد الواعي لاستخدام المصادر الطبيعية، كي ننتقل إلى مرحلة التعافي المشترك وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
مؤشرات سكانية مهمة
ونود أن نسلط الأضواء في هذا المقال على مجموعة عوامل مهمة، يمكننا أن نستفيد منها في رسم طريق المستقبل للعقود الثلاثة المقبلة.
* لقد استغرق إضافة مليار ثامن إلى سكان الأرض نحو 12 عاما، وهي المسافة نفسها التي استغرقتها إضافة المليار السابع للسكان. أما المليار التاسع فسيستغرق نحو 14.5 عاما أي في حدود عام 2037. لقد كانت الإضافة السكانية في السنوات الإحدى عشرة الماضية أساسا من القارة الآسيوية تليها القارة الافريقية، التي قدمت زيادة لعدد السكان تقدر بأربعمئة مليون إنسان.
* إن الزيادة السكانية الحالية جاءت أساسا من عشر دول تتصدرها الهند فالصين فنيجيريا. أما من الآن ولغاية المليار التاسع عام 2037 فستتركز الزيادة السكانية في ثماني دول هي، الهند وباكستان ونيجيريا ومصر والكونغو وإثيوبيا والفلبين وتنزانيا، أي ثلاث دول آسيوية وخمس دول افريقية. مقابل هذه الزيادة نتوقع أن ينخفض عدد السكان بنسبة 1% على الأقل خلال العقود الثلاثة المقبلة في 61 دولة نتيجة استمرار انخفاض مستويات الخصوبة، وفي بعض الحالات، ارتفاع معدلات الهجرة.
* أما عن زيادة معدلات الأعمار، فالعالم سيرى المزيد من الشعر الرمادي بحلول عام 2050. فمن المتوقع أن يكون عدد الأشخاص آنذاك الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر في جميع أنحاء العالم أكثر من ضعف عدد الأطفال دون سن الخامسة، والعدد نفسه تقريبا لمن هم دون سن 12 عاما. كما أن هناك زيادة في سنوات العمل تصل إلى أربع سنوات، ولذا سيكون معدل سن التقاعد بحدود 64 عاما.
* لقد ساهمت جائحة كورونا في انخفاض العمر المتوقع عالميا إلى 71 سنة عام 2021 من 72.9 سنة عام 2019، علما أن النسبة الأخيرة تمثل زيادة 9 سنوات عن معدل العمر المتوقع لعام 1990، وهذا من أفضل إنجازات العلوم الحديثة في مجال الصحة. ومن المتوقع أن تؤدي التخفيضات الإضافية في معدل الوفيات إلى متوسط العمر المتوقع عالميا ليبلغ نحو 77.2 سنة عام 2050.
الهجرة والأقليات
يشير التقرير إلى أن هناك دولا، خاصة في أوروبا تشهد شيخوخة واسعة وعدد أطفال أقل مثل إيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة وبعض دول أوروبا الشرقية. ويرى صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الحل يكمن في استيعاب المهاجرين والأقليات التي تشهد عادة نسبة خصوبة أعلى من المعدل العام. فالاستثمار في كل أفراد الشعب من دون تمييز أو تصنيف بناء على العرق أو اللون أو المعتقد، هو المخرج من أزمة الشيخوخة التي تعاني منها البلدان منخفضة الخصوبة، حيث يوصي التقرير أن تتخذ البلدان التي تشهد شيخوخة السكان خطوات لتكييف البرامج العامة مع الأعداد المتزايدة لكبار السن، وإنشاء رعاية صحية شاملة وأنظمة رعاية طويلة الأجل، وتحسين استدامة أنظمة الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية لكل فئات الشعب.
في معظم بلدان افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك في أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، أدت التخفيضات الأخيرة في الخصوبة إلى «عائد ديموغرافي»، مع ارتفاع نسبة السكان في سن العمل (من 25 إلى 64 عاما)، ما يوفر فرصة لتحقيق نمو اقتصادي متسارع للفرد. ويرى التقرير أنه لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة، ينبغي للبلدان أن تستثمر في زيادة تطوير رأسمالها البشري الشامل، من خلال ضمان الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم الجيد لجميع الفئات العمرية، ومن خلال تعزيز فرص العمالة المنتجة والعمل اللائق، ما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، خاصة تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين.
محاضر في العلوم السياسية في جامعة رتغرز بولاية نيو جرسي
القدس العربي