مغاربة الخارج بين سندان التهميش الحكومي ومطرقة الغربة والتعب
ذ. أحمد براو *
يُقدر عدد أفراد الجالية المغربية بالخارج بحوالي خمسة ملايين من رعايا المملكة نصفهم من النساء، وهو ما يناهز 12٪ من مجموع السكان بالمغرب، أغلبهم يقيمون في بلدان القارة الأوروبية بنسبة 85٪. فيما يعانون من عدة مشاكل، وتمر بظروف إقامتهم أحوال صعبة في جميع النواحي أغلبها غياب التواصل مع المسؤولين والساسة المغاربة من أجل البحث عن الحلول لمعاناتهم ودعمهم الإجتماعي والثقافي والنفسي والديني.
– استياء وسط الجالية من الوضع الحالي
ويعرف وضعهم العام حاليا تراجع بعد سنوات الجائحة العجاف، رغم تحسن الأوضاع في العشرية الأخيرة سيما بفضل الإهتمام المتوالي للملك محمد السادس وأشار لذلك في العديد من الخطابات السامية، ولا سيما في خطاب العرش لسنة 2015 وخطاب 14 أكتوبر 2016، وتوجيه تعليماته لكل الفاعلين سواء ضمن القطاعات الحكومية أو المؤسسات الدستورية بضرورة التنسيق والعمل بصفة مشتركة للاستجابة لمتطلبات الجالية والتفاعل مع قضاياها.
وكان الملك قد دعا إلى ضرورة التتبع الدقيق لمشاكل الجالية، خصوصا في علاقتها مع الخدمات الإدارية المقدمة لهم من لدن البعثات القنصلية في الخارج، بعدما عبّروا له في أكثر من مرة عن استيائهم من سوء المعاملة ببعض القنصليات، ومن ضعف الخدمات التي تقدمها لهم، سواء من حيث الجودة أو احترام الآجال أو بعض العراقيل الإدارية.
فيما جاء التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2019 – 2020 ليكشف الخصاص والنقص وغياب الجودة في الخدمات القنصلية وليدعو إلى ضرورة وضع مقاربة إستراتيجية شاملة، قائمة على التنسيق المحكم بين الإدارات والمؤسسات المعنية بالخدمات القنصلية من جهة، وتحديد الأهداف المتوخاة والمسؤوليات والإجراءات والنتائج المتوقعة.
كما أشار نفس التقرير إلى تقليص الموارد البشرية في الإدارات القنصلية وغياب التنسيق وقلة المهنية وانعدام التكوين المستمر للموظفين. ما يجعل الهوة سحيقة بين ما تتوفر عليه القنصليات من خدمات ومتطلبات الجالية بحيث يظهر جليا ضعف التسجيل للمقيمين بالدائرة لا يتعدى 40%. فيما سجل التقرير غياب خدمة الإستشارات القانونية ومكاتب المحامين التابعين للقنصليات لمساعدة المهاجرين المتضررين من الناحية القضائية والقانونية.
– أهمية العمل الجمعوي بعد رقمنة العمل القنصلي
يبقى العمل الذي يقوم به النسيج الجمعوي للفاعلين والنشطاء في المجتمع المدني ذو أهمية قصوى لمساعدة الإدارات القنصلية للتخفيف من هذه الظواهر، كالتبليغ عن الأحداث الطارئة وعند حدوث الأزمات وفي ربط الإتصال بين القنصليات والمواطنين رعايا صاحب الجلالة وكذلك في تأطير وتعبئة وتقديم النصائح وتنظيم استقبال المواطنين خصوصا إبان عمل القنصليات المتنقلة، والأهم من ذلك ربط المهاجرين المغاربة بالوطن وتنظيمهم للتظاهرات والفعاليات الثقافية والرياضية وإحياء المناسبات الوطنية والدفاع عن القضايا وخلق مناخ التعاون بين المسؤولين في دول الإقامة والجالية المغربية.
وقد عرفت نهاية السنة الماضية وبداية هذه السنة انطلاق نظام رقمي في القنصليات المغربية لأخذ المواعيد المسبقة حيث يتمّ تحديد موعد عبر الإنترنت شخصيا، (بمعنى أنّ لكلّ شخص يطلب تحديد موعد خاص/فرديّ موعد واحد)إمّا للفرد أو أحد أفراد عائلته. وعليه أن يتتبع خطوات ملأ الإستمارة بعد التسجيل الكامل في موقع “rdv.consulat.ma”، كما يجب عليه بعد اختيار الخدمة التي يرجو الحصول عليها أن يحمل الوثائق الطلوبة وبعد الإرسال ينتظر الجواب إذا كانت العملية سليمة لكي يختار الموعد المحدد في اليوم الذي يود فيه الذهاب للقنصلية، ولا ينسى ان يأخذ نسخة من الوثيقة التي تثبت تحديد الموعد وأن يأخذ معه الوثائق الأصلية. وفي حال عدم الحضور للموعد أو إلغائه بسبب ظروف خاصة عليه أن يراسل القنصلية عبر البريد الإلكتروني ليعلمهم بذلك حتى يتسنى للعاملين تنظيم المواعيد وتوزيعها بشكل جيد، ويستحسن عدم إلغاء الموعد لأكثر من مرتين لنفس الفرد ونفس الخدمة لأنه قد يجد مشكل في أخذ موعد آخر.
كل هذه الخدمات الرقمية هي لسلاسة العمل وتنظيمه بشكل جيد وربح الوقت سواء للمواطنين أو الموظفين، لكن يبقى العامل الإنساني والتلاقي والتواصل هو الذي يبني العلاقات العامة بين المؤسسات والإدارات القنصلية والمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.
– تباين في ما تقدمه الجالية وما تحصل عليه
لقد كانت الجالية المغربية المهاجرة بالخارج في الموعد عندما احتاجها البلد إبان جائحة كورونا في السنوات الثلاث الماضية وعرفت التحولات المالية أرقاما قياسية فلكية ساعدت العديد من الأسر المغربية لتجاوز المشاكل الإقتصادية الناجمة عن الإغلاقات ورفعت كذلك من الدخل العام السنوي للمالية المغربية من العملة الصعبة بشهادة جميع الجهات الحكومية والإقتصاديين الذين أجمعوا على أن مغاربة العالم أسهموا في إنقاذ الإقتصاد المغربي من الإنهيار خصوصا من الناحية الإجتماعية والدعم الأسري.
فيما كانوا يعانون في ظل الغربة والجائحة والإغلاقات وعدم السفر أو الرجوع للبلد، والمعاملة السيئة التي كانوا يواجهونها عند دخولهم والمصاريف الباهضة التي كانوا يتحملونها سيما بعد إغلاق الممرات عبر إسبانيا، وقد كانوا ينتظرون من الحكومة السابقة أن تسمح لهم بالمشاركة السياسية والإنتخابية في الحملة الماضية، لكن كالعادة خابت الظنون وتعرض مغاربة العالم مرة أخرى للتهميش السياسي وما زاد من خيبة أملهم هو إلغاء وزارة الجالية وإدماجها مع وزارة الخارجية، فلم يعد لهم أمل في هذه الحكومة أيضا وهو يرون أن جميع الأبواب توصد أمامهم، والمجتمع المدني لمغاربة الخارج يشتكي من غياب الأفق وقلة الموارد وإلغاء الدعم والتمويل للجمعيات إلا لبعض المؤسسات والأفراد التي يتمتعون بامتيازات خاصة ولهم نفوذ ومحسوبية وزبونية داخل الوطن.
لا أدعو للسوداوية والتشاؤم بل هذا هو الواقع المرير الذي تعيشه الجالية المغربية بالخارج وما يتداوله الرواد والنشطاء خصوصا العاملين في النسيج الجمعوي، وهو ما يدعو لضرورة إعادة النظر في تدبير هذا الملف الذي مافتئ الملك محمد السادس يشير إليه بتعليماته السامية ويبدي الإهتمام بهذه الشريحة من المواطنين المغاربة نساءهم ورجالهم وأطفالهم وشبابهم لربطهم بالوطن والعمل على التخفيف من معاناتهم وتحسين ظروفهم النفسية والإجتماعية والثقافية.
* كاتب صحفي ورئيس فوروم مغاربة كالابريا بجنوب إيطاليا