مغاربة العالم يشتكون من المراجعة الضريبية
أمين بوشعيب/روما/نبض الوطن:
في الأسبوع الماضي، قمتُ بزيارة سريعة لأرض الوطن، وخلال ذلك التقيتُ بالأهل والأحباب، وبعض الأصدقاء الذين أحرص على مجالستهم نظرا لما يجمعنا من همّ مشترك، وانشغال عميق بمصير الوطن.
في إحدى الجلسات أثار أحد الأصدقاء موضوعا هامّا يتعلق بالضرائب، مفهومها، والغاية منها، ثم طرح سؤالا عريضا قائلا: هل توجد في المغرب عدالة ضريبية؟
تباينت آراؤنا حول الموضوع، فكان كل واحد منا كان يدلو بدلوه، ويقدّم ما يزكي وجهة نظره، من خلال تجربة خاصة أو تجربة أحد معارفه.
اتفقنا جميعُنا على أهمية الضريبة، ودورها الحيوي، وعلى أنها من أقدم المصادر الماليّة للدولة وتشكّل نسبةً من إيراداتها العامة، وتُستخدم كمصدر في تمويل الأنشطة الحكومية من أشغال وخدمات عمومية مثل الطرق والمدارس وكذا تمويل بعض البرامج المحددة مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحيّة، وغيرها من البرامج التي تعود على المواطن بالنفع. لكننا اختلفنا حول العدالة الضريبية.
كان من بين الحاضرين معنا في تلك الجلسة، أحد الأصدقاء عاش ردحا من الزمن في الديار الأوروبية، ثم عاد من أجل استثمار أمواله في أرض الوطن. فلما سمع أحدَنا يقول بأن في المغرب عدالة اجتماعية انتفض، وقال:
كما قلتم، فالنظام الضريبي الجيد أو بالأحرى أو ما تسمونه أنتم العدالة الضريبية أو الضريبة العادلة، يلعب دورا كبيرا في تحقيق الانتعاش الاقتصادي وحمايته منالتضخم والانكماش، ويلعب دورا كذلك في التوزيع السليم للدخل والثروة بين مختلف مكونات المجتمع، ويساهم في الارتقاء الطبقي وتعزيز إفراز طبقة وسطى، ولذلك فهويلعب دورا كبيرا في تحقيق العدالة الاجتماعية. نعم كل هذا كلام جميل، ولكنه غير موجود عندنا في المغرب.
وأردف قائلا: منذ أن قررتُ العودة إلى المغرب، فكل المشاريع التي قمت بإنجازها في المغرب وفق المعايير والتحملات المنصوص عليها في القانون المغربي، قد تعثرت وانتهتإلى واقع مرير، بسبب الضرائب والمراجعات الضريبية والجبايات المتعددة والمتنوعة. أنالستُ ضد الضرائب -يقول صاحبنا- ولكني أتعجب من قيام مديرية الضرائب في كل وقت وحين بمراجعات ضريبية بعد البيع، الهدف منها فرض مزيد من المبالغ المالية وجبايتها بدعوى حماية مستحقات الدولة، مع العلم أن المراجعة تكون بسعر مرجعي تحدده مديرية الضرائب، ولا تضع في حسبانها تقلبات السوق، وكذا اضطرار البائع وحاجته إلى المال.
اتفقتُ مع صاحبنا، وقلت: إذا أرادت الدولة بالفعل توسيع قاعدة التحصيل الضريبي، وحماية مستحقاتها فليس على حساب الذين يؤدون ضرائبهم بشكل منتظم وهم ملتزمون بالأداء، وكان الأحرى بالحكومة ومصالحُها المكلفة بالجبايات أن تصل إلى الذين لا يؤدون الضرائب أصلا، إما تهرُّباً وإما لدوافع سياسية وزبونية.
تساءل صاحبنا وقال: أليس للعدالة الضريبية مبادئ ومؤشرات ناظمة وضابطة؟
قلتُ بلى، ولعل أهمّ المبادئ والمؤشرات، هو حق الملزَم في مراقبة تصحيح إقراراته، واللجوء إلى الطعون ضدا على قرارات الإدارة، وتبني أحكام وإجراءات وآجال وأحكام فنية خالية من الغموض والتعقيد النصي، وتبعا لذلك، فالضريبة يجب أن تكون عادلة يشترك في تأديتها كل المواطنين، بحسب قدرة كل منهم على الدفع، وذلك حسب منطوق الفصل 39 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الذي ينص على أنه “على الجميع أن يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية، التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور”. وأيضا الفصل 40 من نفس الدستور، الذي ينص على أنه “على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد”.
قال صاحبنا: ولماذا يُضرب بكل هذا (المبادئ والدستور) بعرض الحائط، ألسنا في دولة الحق والقانون، أم هو شعار للاستهلاك فقط؟
في ختام الجلسة اتفقنا على أنه لا بد من أن تقوم الحكومة المغربية بإصلاح النظام الضريبي ليصبح نظاما عادلا ومتكاملا يمكن من خلاله مجابهة الأزمات، ولا بد منالشروع بشكل سريع، في تحليل ودراسة النظام الضريبي المغربي وفق طريقة نقدية من أجل استخراج نواقصه ونقط الضعف الكامنة فيه، ثم العمل على إيجاد حلول بديلة من أجل العدالة الضريبية، وذلك لغاية سامية وهي حماية دافع الضرائب من أي تأويل خاطئ للنصوص القانونية من قبل الإدارة الضريبية، وتعزيز الثقة بين هذه الإدارة ودافع الضرائب.
فلاش: في مقدمته الرائعة يحذر ابن خلدون من قلة رغبة الناس عن العمل، وذهاب الأمل من نفوسهم إذا قارنوا بين نفعه – أي العمل – والضرائب التي يدفعونها، فتنقبض كثير من الأيدي عن العمل جملة، وتنقص بسبب ذلك الجباية ( ما يصطلح عليه حديثا بعجز الميزانية) ولمعالجة الأمر تضطر الدولة إلى الزيادة في الجباية إذا رأت النقص في المداخيل، ويحسبونه جبرًا لما نقص، حتى تنتهي كل وظيفة إلى غاية ليس لها نفع ولا فائدة لكثرة الضرائب عليها، فلا تزال تلك المداخيل في نقص والجبايات في زيادة، إلى أن ينتقص العمران بذهاب الفائدة المرجوة منه، ويعود وبال ذلك على الدولة لأن فائدة الاعتمار عائدة إليها.
فارتفاع العبء الضريبي على المواطنين ارتفاعا كبيرا يؤدي إلى إرهاقهم بالضرائب، وشعورهم بانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية، وهذا كله سيفقدهم شعورهم بالوازع الوطني تجاه دولتهم.
نبض الطن /أمين بوشعيب/ إيطاليا