
من الجمعيات إلى التكتلات الجمعوية لمغاربة إيطاليا – إخفاقات و تحديات
ذ.أحمد براو*
تعد التنظيمات الجمعوية المغربية بإيطاليا ذات الطابع الاجتماعي والثقافي والديني والحقوقي أحد أهم أشكال تنظيمات المجتمع المدني، وأقدرها على المساهمة في ضمان الحقوق الدستورية والاجتماعية والاقتصادية داخل القطاعات التي تغطيها بمختلف شؤون الجالية المغربية، من سكن وتعليم وصحة وشغل، وتوفير الخدمات الإدارية والاستشارات القانونية والقنصلية وغيرها. لاشك أن هناك طفرة تجتاح هذه المنظمات وهناك بروز وعي مجتمعي داخل الجالية المغربية بمدى الأدوار الفعالة التي تقوم بها هذه الجمعيات من ناحية انعكاساتها الاجتماعية الخيرية والخدماتية والاستشارية، بحيث أضحت ملاذا لجل أطياف المواطنين المغاربة لطرح مشاكلهم والبحث عن إيجاد المعلومة وتوفير المساندة والحماية ضد الانتهاكات والتجاوزات.
– تجارب سلبية أكثر منها إيجابية للفعل الجمعوي المغربي بإيطاليا
لكن الواقع المرير التي تعيشه تلك التنظيمات والجمعيات من ناحية الهيكلة والتسيير وانعدام البرامج والمشاريع وقلة الدعم والتمويل، ثم الصراعات الداخلية العقيمة التي تعرقل العمل وتحد من استقطاب أكبر عدد من المتداخلين والمتطوعين وانعدام ثقة المواطنين، كلها عوامل تجعل من تلك المنظمات والجمعيات والمراكز بؤر توتر وخصومات، غالبا ما تفضي لنتائج هزيلة في محصلتها، وسلبية تنفر منها كل المؤسسات والأفراد والداعمين.
المتتبعون للشأن الجمعوي لمغاربة إيطاليا يجمعون على رداءة نتائج التجربة الطويلة لعمل الجمعيات والمنظمات والمراكز المغربية، رغم أن هناك بعض المسارات الناجحة لكنها لا ترقى لتطلعات الفاعلين والمواطنين والمؤسسات ذات الصلة والعلاقة المباشرة وغير المباشرة، أولا لأن المسؤولين عن هذه التنظيمات لم يغيّروا أنماط عملهم ولم يقيّموا التجارب المتعددة الإخفاق ولم يستطيعوا إعادة كسب الثقة ولم يجددوا أطرهم وطريقة تسييرهم لها، ولم يواكبوا التغييرات والتحولات وتجديد القوانين المتعلقة بالمجال الثالث، ومثالا على ذلك بعد جائحة كورونا؛ عرضت جهة كالابريا – وهي المنطقة التي أنتمي إليها – فرصة للاستفادة من تعويض للجمعيات التطوعية التي تأثرت ماديا بجائحة كورونا، وتقدمت قرابة مائتي جمعية للاستفادة من هذا التعويض، للأسف لا توجد بينها سوى جمعية مغربية واحدة، وهي جمعية “دعوة الثقافية” بمدينة كوزينسا التي أرأسها فيما وافقت الجهة على تعويض فقط عدد 77 جمعية وستة منهم قيد التقييم مع العلم أنه توجد أكثر من 50 جمعية ومركز مغربي بجهة كالابريا وقد سبقت أن أعلمت جميعها بخبر التعويض.
هذا المثل يوحي أن هناك تراخي وإهمال للتأطير الجيد وانعدام تحمل المسؤولية وكذلك التمسك بالمناصب بدون كفاءة ولا ضمير، وهذا بالطبع ينعكس على النتائج الهزيلة لمحصلتها، إضافة لغياب التقارير المالية والأدبية والجموع العامة، والمحاضر وتأمينات المنخرطين والاستيفاء لدفاتر التحملات، والتسجيل في المؤسسات المحلية والجهوية والوطنية ،نظرا لأهميتها وضرورتها من أجل الاعتراف والحصول على الداعمين والتمويل والتعويض.
– مآلات التحول من الجمعيات إلى التكتلات الجمعوية
كتبت عدة مقالات حول العمل الجمعوي المغربي بإيطاليا وممارسات نشطاء المجتمع المدني للجالية المغربية، ولم أشر إلا نادراً لما يعرف بالتكتلات والتجمعات والتنسيقيات، لأن مثل هذه التنظيمات هي حديثة العهد والتأسيس وجاءت بصورة مستعجلة بعد ظهور الحاجة لوجودها كإطارات وحدوية تجمع المراكز الاسلامية التي يؤطرها مغاربة لقطع عن الممثل الوحيد الأول للجالية المسلمة بإيطاليا كناطق باسم الجاليات والمساجد أمام السلطات الايطالية وهو ما يعرف ب الأوكوي، وهذا التحدي عرف خلط بين الدين والسياسة من أجل احتواء جمعيات المجتمع المدني بداية بالحقل الديني، ومرورا بضرورة استقطاب الجمعيات المدنية التطوعية الاجتماعية والثقافية لخدمة القضايا الوطنية للبلد الأم، من هنا بدأ العد العكسي لتفريخ هذه الجمعيات وتجميعها تحت مسميات توحي بكيانات تجمع تحت عباءاتها مجموعة من الجمعيات ذات الطابع الاعتباري ونشطاء معروفين في الساحة الجمعوية على صعيد التراب الايطالي تحت الطابع الشخصي وهذا الأخير خلق تصدعات بسبب الخلافات الشخصية وبدأت تظهر الاتهامات باختلاس الأموال العمومية والفساد الاداري وسوء التدبير، فيما أصبح الفسيفساء الجمعوي متخبطا وناشزا عن ما كان يقصد منه وهو توحيد الجهود والرؤى وتنسيق الأهداف المسطرة.
لاداعي لذكر أمثلة يندى لها الجبين لبعض الحوادث التي تطلع علينا وتظهر من حين لآخر عبر المواقع الاجتماعية وبعض الفضائح التي تبقى وصمة عار في جبين أولئك الذين كان يُنظر إليهم نظرة احترام وتوقير وإعجاب بسبب تضحياتهم وعملهم المتواصل والدؤوب لصالح قضايا المغاربة، فتعثرت المسيرات وانقطعت المشاريع وتوقفت البرامج وقل الدعم والتمويل وانحلت التكتلات وأصبح كل ما كان يُخطط له في خبر كان.
– دينامية جديدة ونشاط جمعوي بجنوب إيطاليا
وقد عرفت السنوات الأخيرة تأسيس بعض التكتلات، خاصة الديناميكية التي عرفتها الساحة الجمعوية بالجنوب الإيطالي وبالضبط بمنطقة كالابريا والتي عملت على تأسيس ما يعرف ب “فوروم مغارية كالابريا” هذا الإطار الذي يضم 22 جمعية ومركز يحسب له الحركية التي عرفتها الديبلوماسية الموازية والتي تكللت بتوقيع إتفاقيات شراكة وتوأمة بين مدن إيطالية ونظيراتها في الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية، وبعض التظاهرات الوطنية والدينية والرياضية، كما ساهم الفوروم بالدفع بالجهة لتمرير قانون الختان للطائفة الاسلامية، فيما مثل الوفد الذي قام بزيارات للمؤسسات المغربية لرفع مشاكل التنقل والتعليم لأبناء الجالية وتكللت نشاطاته بالمساهمة في التوقيع على تأسيس اتحاد مغاربة الجنوب الإيطالي وهو أكبر تجمع لجمعيات مغربية بإيطاليا ويضم أزيد من 67 جمعية مسجلة بصفة رسمية بالقنصلية العامة المغربية بنابولي. ومن بين التكتلات التي تأسست حديثا في الميدان الحقوقي لمغاربة إيطاليا هناك الشبكة الجمعوية المغربية الإيطالية للحقوق والتعاون الدولي ومقرها ب أنكونا وهي أول جمعية حقوقية مغربية إيطالية وتضم محامون وحقوقيون وجمعيات مغربية وإيطالية.
– عوامل ذاتية وخارجية تحد من استقلالية العمل الجمعوي
بالرغم من العدد الكبير للجمعيات المغربية التي ظهرت للعلن والمتنوعة الاهتمامات وتعزيزها بتكتلات وحدوية تتقاسم الرؤى والأهداف، فقد تبين أن الظاهرة الجمعوية المغربية بإيطاليا لن تستطع استقطاب الكثير من المواطنين المغاربة للإنخراط في العمل التطوعي ويظهر ذلك جليا عندما تُستدعى الجالية لحضور الفعاليات والتظاهرات والإجتماعات، ويوعز ذلك لقلة التأطير وقلة الإمكانيات وصعوبة تحديد الأهداف وضعف التواصل والإقتصار على الأنشطة المناسباتية والموسمية بالإضافة للمشاكل الداخلية السابقة الذكر كانعدام الثقافة الديموقراطية.
هناك أحد العوامل التي تجعل استقلالية الجمعيات المغربية بإيطاليا على الهامش وهو علاقتها بالسلطات سواء منها الايطالية أو المغربية، والضغط الممارس عليها بشتى الطرق لعل أغلبها ليّ أذرعها عن طريق الدعم والتمويل وتمرير مشارعها عبر المساعدات والمنح المالية.
أخيرا لابد من الإشارة إلى أن هذا التحدي يجب أن يكون قوة ضغط لصالح استقلالية الجمعيات والتكتلات، وهو واقع تعترف به قياداتها رغم محاولات السيطرة والهيمنة العليا، بحيث يبقى لهذا العمل الجليل هامش تأثير في المجتمعات لأن حراكها يبقى مساهما حقيقيا في بناء مشروع مجتمعي وترسيخ ديمقراطية تشاركية يساهم فيه المجتمع المدني عبر علاقة تبادلية تكاملية، بغض النظر عن الاختلافات الفكرية، والإديولوجيات المختلفة، والتوجهات السياسية، لأن أغلب الجمعيات تؤكد في قوانينها الداخلية على حياديتها وطابعها اللاحزبي واللاسياسي.
*كاتب وباحث مغربي في مجال الهجرة والمجتمع
عن إيطاليا تلغراف