
من يبيع الوهم للمغاربة؟.
روما/أمين بوشعيب/نبض الوطن :
في تقريره السياسي المعروض على مجلسه الوطني المنعقد يومي السبت والأحد الماضيين، قال حزب العدالة والتنمية إنه بات واضحا للجميع عجز الحكومة الحالية البين في تدبير الشأن العام، فضلا على النكوص الواضح في اعتماد المقاربة التشاركية، مما أدى الى نشوب العديد من الاحتجاجات المتتالية.
التقرير حذّر من خطورة الجمع بين المصالح والسلطة، معتبرا أن عمل الحكومة وإجراءاتها وفي مجموعة من المبادرات التي تعلن عنها والمباريات التي تنظمها، والتي أصبحت محط طعن وتشكيك واحتجاج وشبهات فساد وتنازع مصالح، وكان آخرها الاحتجاجات الكبيرة والواسعة على مدى نزاهة وشفافية ظروف وشروط المباراة الخاصة بالمحاماة والنتائج المعلنة عنها، ليخلُص إلى أن عجز الحكومة الحالية في تدبير الشأن العام، بات واضحا للجميع، الشيء الذي يبيّن أن هذه الحكومة وأغلبيتها قد باعت الوهم للمغاربة، وانهارت ثقة المغاربة بشكل غير مسبوق فيها وفي رئيسها والعديد من وزرائها.
عندما قاد حزب العدالة والتنمية الحكومة لولايتين متتاليتين سمعنا مثل هذا الكلام، حيث كانت الأحزاب المصطفة في المعارضة آنذاك، تشن عليه هجمات شرسة وتتهمه بنفس التهم التي جاءت في التقرير السياسي الذي أصدره المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية.
لكن إذا أمعنّا النظر في هذه الحروب الكلامية بين أحزاب المعارضة والأغلبية، نجد أن خطابها السياسي يتبدّل رأسا على عقب كلما انتقلت هذه الأحزاب إلى تسيير الشأن العام، فتنكث بالوعود التي وعدت بها الناخبين، ولم تعد تهتم بحل المشاكل التي يعاني منها المواطن .
هذا المواطن الذي ذهب إلى صناديق الاقتراع كانت آماله عريضة في أن يساهم الحزب الذي اختاره، في إثراء الحياة السياسية المبنية على الإبداع والابتكار، من أجل بناء مغرب أفضل، ومواكبة تيار العصر لمواجهة التحديات، وخلق ظروف مواتية لبناء مجتمع قوي ومتماسك يسع الجميع، ورسم مستقبل أكثر إشراقا لكل المغاربة، إسوة بدول كانت في مثل مستوى المغرب أو أقل، لكن بعد مرور أقل من أربعة عقود، وهي فترة قصيرة جدا في أعمار الدول، أصبحت تحتل مكانها بين الدول العظمى.
كانت آمال هذا المواطن الذي ذهب إلى صناديق الاقتراع، أن يكون له في المغرب أحزاب سياسية، تقدس المسؤولية وتتحمل تبعاتها كالنزاهة والشفافية واحترام المال العام ومحاربة الفساد. أحزاب تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ولها إيمان قوي بأولوية الاخلاق على السياسة السياسوية، والابتعاد عن التنابز والتعاير.
وإنه لمن المحزن أن نرى هذه الأحزاب هي سبب إفساد المشهد السياسي برمته وأفرغته السياسة من رمزيتها، وكانوا سببا في دفع المغاربة إلى الكفر بها، والعزوف عن الانتخابات وصناديق الاقتراع.
الأكيد أن العقبات التي تعترض نهوض الأحزاب في المغرب كثيرة. ولا بد أن نقر أن هناك عقباتٍ موضوعيةً، لكن ما يهم الآن هو مراجعة العقبات الذاتية لكنها تحتاج أولا إلى علاقة مع الذات تقوم على الإخلاص والوعي وصدق الإيمان، وحب الوطن. ويبدو أنه لا حياة لمن تنادي ، فلا شيء من هذا يحدث عندنا. لذلك فليس أحزاب الأغلبية هي من تبيع الوهم للمغاربة، بل كل الأحزاب بدون استثناء، تبيع الوهم للناخبين قبل الانتخابات، وما إن تعتلي سدة الحكم، حتى تتنصّل وتتبرّأ من وعودها.
فلاش: خلال افتتاح الدورة العادية للمجلس الوطني لحزبه، يوم السبت 15 يناير، قَال عَبْد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ب “أنه كان يشعر عندما كان يتحدث إليه مَسؤولون اشتغلوا معه عندما كان رئيسا للحكومة بأنهم “لا يحنّون على المواطنين”. واستغرب من مفارقة كيف أن مسؤولين ليست لديهم أي شفقة على المواطنين، مع أنهم “ينحدرون من أوساط مُعدمة ليس عندها شيء”. بأن أمثال هَؤُلاء “بمجرد أن يترقوا في مستويات اجتماعية ينسون ماضيهم بأنهم ترعرعوا في أوساط فقيرة وبأنهم كانوا فقراء ومساكين”
إذا كان من أحد تنطبق عليه هذه الأوصاف السادية، فهو هذا الرجل المسمّى عبد الإله بنكيران: فهو من سمح لنفسه بالاستفادة من راتب تقاعدي استثنائي مقتطع من أموال اليتامى والأرامل، وهو من جرّ عليه انتقادات واسعة بسبب القرارات المشؤومة التي استهدفت موظفي القطاع العام والخاص، من بينها رفع سن التقاعد ورفع المساهمة في صندوقه، وتجميد الأجور وغيرها من الإجراءات التي انعكست سلبا على هذه الفئات المجتمعية وعلى أسرهم، وهو من رفع الدعم العمومي عن المحروقات لتذهب إلى جيوب الأغنياء، على رأسهم عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية، وهو من رفض توظيف الشباب العاطلين الذين التزمت حكومة عباس الفاسي بتشغيلهم، فكان سببا في انتحار عدد من هؤلاء الشباب.
تفعل كل هذا ثم تأتي اليوم لتحدّثنا عن الرحمة والشفقة، فأية رحمة وأية شفقة تعني. فإذا كان عزيز أخنوش يبيع الوهم للمغاربة، فأنت بِعت لهم الوهم وبعت لهم القرد أيضا، وقبضت الثمن مضاعفا، وتجلس الآن تضحك على مَن اشتراه.
أمين بوشعيب كاتب ومحلل سياسي مغربي مقيم بإيطاليا