مقالات

هل انتصر الفساد السياسي في المغرب على إرادة الدولة

أمين بوشعيب/روما/نبض الوطن:

في بلاغ له، ذكر المجلس الأعلى للحسابات، أنه طبقا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى الحرص على القيام بمهامه الدستورية، لاسيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، تم إعداد التقرير لهذه السنة، وفق المقاربة الجديدة المعتمدة في إطار التوجهات الاستراتيجية للمحاكم المالية للفترة 2022-2026.

وأضاف البلاغ أن هذه المقاربة اعتمدت “التركيز على الخلاصات المتعلقة بأهم الإشكاليات الكبرى ذات الصلة بالتدبير العمومي، مع عرض سبل الإصلاح والتوصيات المقترحة لتحسين تسيير المالية العمومية وتدبير المرافق العمومية والأجهزة والبرامج والمشاريع التي شملتها المراقبة أو التقييم وتتبع مدى تنفيذها، وكذا مآل التدابير والإجراءات والأحكام والقرارات القضائية التي أصدرتها المحاكم المالية”. 

وبناء على هذا البلاغ، تقدمت السيدة زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، في عرض لها أمام البرلمان المغربي، يوم الثلاثاء الثاني من شهر أيار/ مايو الجاري، أعلنت فيه أن الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، قد أحال على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض –رئيس النيابة العامة، ثمانية عشر ملفا تخص 14 جماعة ترابية، ومؤسستين عموميتين، وأوضحت أن النتائج التي أسفرت عنها المهمات الرقابية المنجزة من طرف غرف المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، أبرزت أن هيئات مراقبة التسيير والتدقيق والبت في الحسابات وجهت طلبات رفع قضايا إلى النيابة العامة لدى المحاكم المالية، حيث قامت هذه الأخيرة، انطلاقا من سنة 2021 وإلى حدود متم شهر مارس 2023، برفع ما مجموعه 59 قضية في إطار التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أمام هذه المحاكم تمت في إطارها متابعة 145 مسؤولا وموظفا بمؤسسات عمومية في قطاعات التعليم والصحة وإعداد التراب والصناعة التقليدية (20 مدير ومسؤول و 10 موظفين) وكذا بمنتخبين وموظفين بجماعات ترابية موزعة على عشر جهات من المملكة (52 رئيس جماعة و 63 موظف جماعي).

الملاحظ من هذا التقرير، أن جل الملفات المعروضة على القضاء تخص الجماعات الترابية، وهذا يعني أن الفساد قد استشرى في وسط المنتَخبين ونخر الطبقة السياسيَّة، وخلف آثارا وخيمة اقتصادية واجتماعية ومعنوية على مستوى صورة المغرب. إذ تقدر الخسائر بما يتراوح بين 5% و7% من الناتج الداخلي الخام. كما شكلت وما تزال موجات الاحتجاجات والتوترات الاجتماعية صدى لعدم الرضا الشعبي بخصوص نزاهة وحسن تدبير الشأن العام بالمغرب. وهذا ما تؤكده مجموعة من التقارير الوطنية والدولية.

هناك علامة استفهام كبرى، تُطرح كلما أثير موضوع الفساد السياسي في المغرب، إذ كيف أنَّ النخبَة الحزبية التِي تديرُ الشأن العام في المغرب، تدخل إلى نادي الأثرياء الكبار بين عشيَّة وضحاهَا؟؟ وهذا ما أشار إليه أحد السياسيين حيث قال بأن: هناك قياداتٌ كانت لا تملكُ شيئًا، ولو حتى على سكن، أصبحت غنية اليوم، بعدما التهمت وأتت على الأراضي والدواء والمشاريع”. وحسب نفس المتحدث ف“الأحزابُ السياسيَّة أكبر مفسدة فِي تاريخ المغرب، “ولكمْ أنْ تبحثُوا عن حزبٍ لا ينخرهُ الفساد

الأحزاب التي تقوم بترشيح الفاسدين هي التي يجب محاسبتها وعلى الجهات الوصية في الدولة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه ما يعرف المال العام من تدبير، وأن تشدد على ضرورة إعمال آليات المراقبة المنصوص عليها قانونيا، ولا تكتفي بنشر الغسيل خاصة أن الدولة تتوفر على الإرادة السياسية لمحاربة الفساد، وهناك أيضا الكثير من الخطب الرسمية الملكيةالتي تنطوي على دعوة مستمرة لتمثل قيم الحكامة الرشيدة، ولتنزيل آليات المراقبة والمحاسبة والتقييم وإنفاذ القانون، ومحاربة الفساد في جميع القطاعات والمجالات، لأن الفساد كما قال الملك نفسه في إحدى الخطب: “يساهم في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظمة، وانعدام الأمن والإرهاب”. فكفى من سياسة عفا الله عما سلف، التي ابتدعها بنكيران عندما كان رئيسا للحكومة، إنها بئس البدعة هي، إذ كانت سببا في اتساع رقعة الفساد في المغرب.

فلاش: في الوقت الذي كانت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، تعرض أمام البرلمان المغربي، النتائج التي أسفرت عنها المهمات الرقابية المنجزة من طرف غرف مؤسستها، كانت هناك روائح فضائح جديدة تنبعث من جماعتين ترابيتين إحداهما بالعاصمة الرباط، حيث صادق المجلس الجماعي هناك، خلال دورة مناقشة ميزانية سنة 2023، فبراير الماضي على كراء الأساطيل الضخمة لسيارات باهظة الثمن، والرفع من مصاريف نقل الرئيسة والمستشارين بالخارج ب400 %، ومضاعفة مصاريف السفريات والمهمات بالخارج للرئيسة والمستشارين بنسبة 300 %، بالإضافة إلى مضاعفة ميزانية الإطعام والاستقبال والإقامة ب 5 مرات. وهو ما يعتبر تبذيرا للمال العام.

وأما الثانية فكانت بطلتها رئيسة مجلس بجهة كلميم واد نون امباركة بوعيدة، التي وافقت على التأشير على صفقة الإطعام بمبلغ 4 ملايين و120 ألف درهم، في ظرف شهرين، حيث كشف أحد المستشارين بذات الجهة ” أن الصفقة تتعلق بإطعام ما يناهز 9000 ضيف، في 900 مائدة، متسائلا “منهؤلاء الضيوف نعدّهم فردا فردا، في مدة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة”.والخطير في الموضوع، حسب المتحدث نفسه، هو عقد صفقة مع مقاول (مقرب من المحيط) بمبلغ 192 مليون سنتيم، أي إن المائدة الواحدة تجاوزت 7200 درهم. وهذا مثال ثان لكيفية تبذير المال العام دون حسيب ولا رقيب.

إن أمثال هؤلاء المنتخبين أصبحوا يشكلون أحد المعوقات الرئيسية أمام تحقيق التنمية بشكل عام، والتنمية على المستوى المحلي بشكل خاص لما يترتب عنها من آثار سلبية على المجتمع سواء على الصعيد السياسي، الاقتصادي والاجتماعي.


أمين بوشعيب

أمين بوشعيب

الأستاذ أمين بوشعيب كاتب و محلل سياسي وناشط صحافي مقيم بإيطاليا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
جريدة نبض الوطن