
وزير العدل المغربي يتعهد بمنع «حماة المال العام» من متابعة سياسيين قضائيا
الرباط : في خطوة أثارت غضب حماة المال العام في المغرب، تعهَّد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بإدراج تعديل في قانون المسطرة الجنائية يمنع جمعيات حماية المال العام والمنظمات الحقوقية من تقديم شكايات إلى القضاء بخصوص افتراض وجود شُبهات فساد في بعض الإدارات العمومية والتي يتولى تدبيرها أشخاص أسندت لهم مهام التدبير العمومي.
ويرى الوزير المغربي أن وزارة الداخلية هي المعنية بالمراقبة لا الجمعيات، مثيراً بعضاً من خلفيات الأمر وارتباطه بالسياسة، معتبراً أن “هناك ابتزازات وضرباً للمصداقية”، وفق تعبيره متحدثاً في البرلمان.
محمد الغلوسي، رئيس جمعية حماية المال العام، وصف تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي بـ “الانتكاسة التي ستُفقد السلطة القضائية أحد مقومات وجودها وهو استقلاليتها عن باقي السُّلط، معتبراً أنها تصريحات تحتقر البرلمان وتجعل من المؤسسة التشريعية واجهة لتمرير قرارات السلطة التنفيذية”.
وقال متحدثاً لـ “القدس العربي”، إن تصريحات وهبي تتناقض مع دور البرلمان وفق ما تضمنه مُقتضيات الدستور، مشدداً على أن البرلمان لا يمكنه تقييد الحريات والحقوق الأساسية في الدستور، متسائلاً: “كيف تأتَّى للوزير أن يدفع البرلمان إلى المساهمة في التَّضييق على الحريات الواردة في الدستور من خلال هيمنة الحكومة على السلطة التشريعية”. “تصريحات الوزير خرق للدستور وتجاوز لكل البرامج المؤطرة للحياة العامة واشتغال المجتمع المدني باعتباره شريكاً في وضع السياسات وتفعيلها وتقييمها”، يقول الغلوسي وهو رجل قانون لـ “القدس العربي”، مبرزاً أن الدستور الذي يعتبر أسمى قانون في البلاد أعطى أدواراً مهمة للمجتمع المدني وجعله شريكاً أساسياً في إنتاج القرار والسياسات العمومية، كما وفَّر القانون حماية خاصة للمبلغين عن جرائم الفساد والرشوة، وهو نفس القانون الذي يُجبِر الناس جميعاً على التبليغ عن أية جريمة وإلا تعرَّضوا للمتابعة الجنائية بعدم التبليغ.
بيان للجمعية المغربية لحماية المال، استنكر بشدة تصريحات وزير العدل، معتبراً أن تلك التصريحات “لا تعدو أن تكون استجابة لضغوط رموز الفساد ولصوص المال العام وتسعى لتوفير الحماية لهم وتشجيع استمرار مظاهر الفساد والرشوة والريع في الحياة العامة”، وفق الوثيقة التي اطلعت عليها “القدس العربي”.
واعتبرت الجمعية أن التصريحات مساس باستقلال السلطة القضائية وتدخل في شأنها وتقييد لدور النيابة العامة التي ألزمها قانون المسطرة الجنائية بتحريك الأبحاث التمهيدية بناء فقط على مجرد وشاية.
ودعا الجمعية المغربية لحماية المال العام، البرلمان المغربي إلى تحمل مسؤوليته وعدم الانجرار مع الدعوات الرامية إلى التشريع لفائدة المتورطين في جرائم الفساد والمساس بالحقوق والحريات وانتهاك مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأعلنت استعدادها، بالتنسيق مع شركائها في التنظيمات السياسية الديمقراطية والحقوقية والنقابية والمدنية، لخوض كافة الأشكال الاحتجاجية المشروعة لمناهضة الفساد ونهب المال العام والتصدي لكل المحاولات الرامية إلى تشجيع الفساد وتوفير غطاء قانوني وسياسي للمفسدين ولصوص المال العام.
تصريحات الوزير المغربي بخصوص إدخال تعديلات على المسطرة الجنائية تمنع الجمعيات من وضع شكايات ضد المنتخبين المشتبه في تبديدهم أو اختلاسهم المال العام، ليست أول قرارات الحكومة المثيرة للتساؤلات علاقة بقضايا الفساد ونهب المال العام، فقد سبق لحكومة عزيز أخنوش سحب قانون الإثراء غير المشروع من البرلمان بدعوى تثمينه وإدخال تعديلات عليه، فضلاً عن سحب مشروع قانون “استغلال المعادن” يتعلق بتنظيم “الاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة”، ويقصد به الأراضي المملوكة للدولة ضمن ما يسمى الملك البحري، أو الأملاك الأخرى، بالإضافة إلى سحب مشروع قانون “استغلال المعادن”.
تعامل الحكومة مع هذه الملفات والقوانين المؤطرة لها، جعلت محمد الغلوسي يقول إن الحكومة المغربية لا تتوقف عن بعث مؤشرات، تؤكد أن تخليق الحياة العامة ومحاربة الرشوة والفساد وتعزيز ربط المسؤولية بالمحاسبة ليست من صميم أولوياتها، وأن الإرادة السياسية غير متوفرة، على الرغم من الإقرار بأن للفساد والرشوة خطورة ضد البرامج الموجهة للتنمية، وأن الفساد يُكلِّف الدولة المغربية الكثير ويستنزف أزيد من 5 في المئة من ناتجها الداخلي الخام.
«القدس العربي»