
وعود حكومة أخنوش تتبخر على شواطئ البحار
أمين بوشعيب /روما/نبض الوطن :
مرّ وقت طويل يزيد على خمسة عشر شهرا على تنصيب حكومة عزيز أخنوش المشكّلة من أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، ولا يزال المواطن المغربي ينتظر الوعود التي قدمها رئيس الحكومة، خلال العرض الذي قدمه أمام أعضاء مجلس المستشارين، مباشرة بعد إعلان نتيجة التصويت على البرنامج الحكومي.
خلال عرضه هذا، وعد عزيز أخنوش المغاربة بإحداث مليون فرصة شغل وتمويل مشاريع الحماية الاجتماعية، وقال إن البرنامج الحكومي الذي قدمه يتضمن أرقاما واضحة، وأن مناصب الشغل التي وعدت بها الحكومة ستُحدث في القطاعين العام والخاص.
وأوضح أخنوش أن 250 ألف منصب شغل سيتم خلقها من خلال الأشغال الصغرى والمتوسطة والكبرى، و200 ألف منصب ستُحدث من خلال المشاريع الفلاحية ضمن برنامج الجيل الأخضر، بينما سيتم إحداث 250 ألف منصب شغل في الإدارة، بمعدّل 50 ألف منصب سنويا. كما تعوّل الحكومة، يضيف أخنوش، على إحداث مناصب شغل أخرى ضمن برنامج فرصة، وكذلك مؤسسات الحضانة التي ستصل إلى 12 ألف حضانة.
لكن الواقع يكذّب كل هذه الوعود، ببساطة لأن شباب المغرب لا يزال -كما في عهد الحكومات السابقة- يقوم بمحاولات دؤوبة للهجرة عبر الشواطئ المغربية، لينتقل إلى الضفة الأخرى، إما سباحة او عبر ركوب قوارب الموت من أجل الخلاص من براثن الفقر والبطالة، من خلال العثور على فرص عمل هناك في بلاد المهجر. قد ينجح بعضهم في العبور لكن أغلبهم يكون مصيره الغرق، ليقوم البحر مشكورا فليفظ جثثهم سليمة، دون أن تأكلها الأسماك، لتبقى شاهدة على أن وعود أخنوش ما هي إلا وعود عرقوبية.
لا نذهب إلى الماضي البعيد أو القريب، فيوم الخميس الماضي، لفظ البحرالأبيض المتوسط جثث أربعة شبان ينحدرون من مناطق بجهة طنجة تطوان، إثر محاولتهم الهجرة إلى مدينة سبتة المحتلّة من قبل ” أصدقائنا الإسبان”.
وفي شهر ينايرالماضي، وهو ماضٍ ليس بالبعيد، اهتز الرأي العام المغربي على إثر سماع خبر فاجعة انقلاب قارب للهجرة غير النظامية بسواحل “مير اللفت بجهة كلميم واد نون” أودى هو الآخر بحياة خمسة عشر شخصا.
هاتان الفاجعتان ليستا الأوليين، ولن تكونا هما الأخيرتين، ما دامت هذه الحكومة تتفرج مكتوفة الأيدي دون اتخاذ إجراءات ومقاربات اجتماعية واقتصادية وحقوقية لإنقاذ أرواح المواطنين المغاربة الذين أصبحوا يفضلون الارتماء في أحضان البحر، هربا من جحيم البطالة والفقر والغلاء.
وعلى الجملة فقد أصبحت محاولات هجرة الشبان المغاربة بمثابة مآسي شبه يومية تسجلها مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، هذه المياه التي أصبحت بمثابة مقبرة للحالمين بالعبور إلى “الفردوس الأوروبي”.
والمثير في الأمر هو أن هناك من أصبح يوثّق هذه المآسي بالصوت والصورة، ويتداولها رواد موقع التواصل الاجتماعي، كما حدث مع طفل قاصر تم تصويره وهو يصارع الأمواج بعدما خارت قواه، في وقت اكتفى فيه عناصر القوات المساعدة وأشخاص آخرون بزي مدني بالمراقبة دون تقديم أي مساعدة، قبل أن يتوارى الفتى عن الأنظار. بينما لم تكلف حكومة أخنوش نفسها حتى عناء تقديم تعزية في وفاة هذا الطفل اليافع.
وبهذا الصدد، تأسف أحد النشطاء في مجال حقوق الإنسان، ل ” تنامي أحداث غرق الشباب المغربي تحت أنظار الكاميرات، كما لو بحياة بشر عجز وطن بأكمله عن حمايتهم. ثم أوضح “أن هؤلاء الشباب اضطروا إلى مقارعة الأمواج بعدما دفعهم الفساد والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتوزيع غير العادل للثروة إلى الكفر بالوطن، أملا في مستقبل أفضل” مشددا على “أن هذه الوقائع وغيرها تظهر عجز المسؤولين عن إنقاذ أرواح تقارع الموت وسط الأمواج بعدما فشلوا في انتشالهم من براثن اليأس، مبرزا أن هذه الأحداث لم تعد تسائل الحكومة وبرامج التنمية، بل تضع الجميع في مرمى سهام الإدانة، كل حسب موقعه ومسؤوليته، لوقوف موقف المتفرج.“
عندما حاصرت الأحداث المأساوية لانقلاب أحد قوارب الهجرة غير النظامية، يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، تحت مساءلات نواب الأمة، قام بتحميل المسؤولية للحكومات السابقة. وقال: “هي أحداث مأساوية تترك أثرا كبيرا في نفوس جميع المغاربة، والكل معبأ من أجل حل مشاكل المغاربة” وأضاف أن الحكومة الحالية لها “مجهود وصدق، ولا نريد استعمال الفواجع لأغراض سياسوية، بل العمل في إطار جدي وأن نقول الحقيقة كاملة، وليس فقط جزءا منها”.
أظن أن سياسة الهروب إلى الأمام لم تعد تُجدِ نفعا، فإما أن تكونوا على قدر المسؤولية، وتعملوا على إنجاز وعودكم الانتخابية، وإما أن تتفضلوا بتقديم استقالتكم، فالشعب المغربي قد ملّ من الكذب.
أمين بوشعيب
كاتب ومحلل سياسي مغربي بإيطاليا