
ماذا بعد سقوط كييف بيد بوتين؟ جويس كرم
غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا جاء كما توقعته الاستخبارات الأميركية حرفيا، وهو في طريقه للاستيلاء على العاصمة كييف ومحاولة إخضاع الحكومة الأوكرانية لشروط الاستسلام، أو محاولة خلعها من الحكم واحتلال البلاد.
دخول بوتين إلى أوكرانيا طامعا بإذلالها وبعد فشله دبلوماسيا وسياسيا وثقافيا بإعادتها إلى “المعسكر السوفياتي”، ليس بالمفاجئ. ورغم وصف مسؤولين روس للتسريبات الأميركية حول الغزو بأنها “هيستيريا” وأن “ما من خطط للهجوم”، كشفت تطورات الساعات الأخيرة مصداقية واشنطن ومهزلة الإعلام الروسي وشبكة العلاقات العامة للكرملين.
أوكرانيا ليست بموقع لمواجهة عسكرية تقليدية ضد روسيا ستكون حتما خاسرة إذا قاربنا بين القوتين. فجيش روسيا أكبر ثلاث مرات من جيش أوكرانيا، ولدى موسكو أكثر من 4000 طائرة حربية مقابل 318 لكييف، هذا من دون الحديث عن أكثر من 6000 رأس نووي للكرملين، فيما تخلت أوكرانيا عن قوتها النووية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ونيلها الاستقلال والحرية في 1991.
إذا، لا مصلحة على الإطلاق لأوكرانيا لمواجهة الدب الروسي مباشرة في مبارزة عسكرية خاسرة ومكلفة. من هنا نرى خطوط المقاومة مختلفة، وتستند إلى إسقاط طائرات، خطف جنود روس، والانسحاب تكتيكيا من مطارات وقواعد جوية.
وعليه، فإن التوقعات الأميركية ترجح سقوط كييف خلال الـ48 ساعة المقبلة بحسب مسؤولين استخباراتيين دفاعيين تحدثوا لموقع “نيوزويك”. هذا السقوط لن يكون بمعارك قتالية بل نتاج براغماتية سياسية تحضر لمرحلة ما بعد السقوط لمواجهة روسيا.
سقوط كييف سيعني، وفي غياب صفقة تفاوضية مع حكومة فولوديمير زيلينسكي، فرض بوتين حكومة تابعة لموسكو تشبه حكومتي بشار الأسد وألكسندر لوكاشينكو في سوريا وستكون منعزلة دوليا واقتصاديا.
ما بعد ذلك سيبدأ مرحلة مواجهة عسكرية من نوع آخر أي تمردية استنزافية ضد روسيا في أوكرانيا كما جرى استنزاف الاتحاد السوفياتي قبلا في أفغانستان إنما بعصا اقتصادية أيضا. فتسليح الجيش الأوكراني مستمر من الغرب ولن يتوقف حتى بعد سقوط العاصمة الأوكرانية، والعقوبات في مسار تصاعدي.أما المفاوضات وفي حال اختارها بوتين فلن تكون لخنوع الغرب وأوكرانيا التي تقاتل اليوم بشكل أشرس مما توقعه الروس، وقادرة على استنزاف موسكو. فالعمق الاستراتيجي للغرب لم يكن يوما في كييف، وحكومتها كانت
تابعة لبوتين حتى 2013، من هنا ليس الغرب بحاجة لدخول معركة ميدانية فيها.
بوتين في غزوه لأوكرانيا يدخل مباشرة المربع الإمبريالي ويتحول قوة محتلة. من هنا تناقض المشهد العربي، وخروج وجوه “يسارية” تستميت في دفاعها عن بوتين وهي نفسها التي تهاجم “الإمبريالية الأميركية” و”الاحتلال الصهيوني”. هل ضربات روسيا ضد كييف تختلف عن ضربات أميركا في العراق وإسرائيل في غزة؟ أو هل أفلست وجوه “اليسار” العربي إيديولوجيا وفكريا وخسرت أي مصداقية كانت له في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم؟
أما أبواق الأنظمة السلطوية التي تبدو متحمسة أكثر من الماضي لغزوة بوتين فهل سيضمن أمنها بوتين أمام إيران التي تقود موسكو تدريبات عسكرية معها؟ أو هل نسي البعض غزو صدام حسين للكويت، وما ترتب عن ذلك؟
اليوم، بوتين يرقص على أمجاد تمدد جيشه في أوكرانيا وسقوط كييف الوشيك فيما تصفق له أنظمة وأبواق غرقت في وحول ومستنقعات الاحتلال. أما كييف فمبارزتها ضد أطماع موسكو طويلة ولا تنتهي خلال 48 ساعة، والتاريخ شاهد على ذلك ولأن من يضحك أخيرا يضحك كثيرا